الاثنين، نوفمبر ٢٧، ٢٠٠٦

الزنزانة

1
ما الذي يحدث هنا
كل ما أعرفه أنهم أخذوني من منزلي من بين أهلي هذا الصباح وأحضروني هنا. لم يسمحوا لي بتوديع والدتي ... زوجتي ... أبنائي
ماذا يريدون مني فلم أفعل شيئاً لأحد فأنا مسالم بطبعي، بل أنا جبان بطبعي ودائما تجدني أمشي بجانب الحائط
ليست هذه بالمرة الأولى التي يأخذون فيها أحدنا. لكنها بالتأكيد المرة الأولي التي أكون فيها أنا السجين ... بل الأسير. ترى هل سيسمحون لي برؤية أحد. أتمنى ذلك فلا أريد أن أكون وحيداً هنا. المكان بارد ولا يوجد شيئ لتدفئته. الهواء راكد وغير نقي بل غير صحي. الأوساخ في كل مكان على الأرض والحائط. يا إلهي هل تلك بقايا جسد ... بل فضلات جسد ... ترى متى آخر مرة كانت عندما نُظف هذا المكان؟ يجب أن أتولى ذلك بنفسي ... ترى هل أطلب من أحد أن يمدني بيد العون لننظف المكان ... حقاً أنني مجنون فكيف أفكر بتنظيف الزنزانة بدلاً من أن أفكر بالهروب من هنا ... أو على الأقل معرفة ماذا أفعل هنا على أقل تقدير
2
مضت ساعتان ولم يحضر أحد لينظر حتى بوجهي ... على الرغم من أنني أحس بأنني مراقب طوال الوقت. لماذا أنا هنا؟ أسئلة تكاد تهلكني وأنا لا أملك إلا التفكير بها. الجوع بدا يشق طريقه لجسدي النحيل أصلاً. ترى بماذا يفكر أبنائي الآن؟ هل كانت هي المرة الأخيرة تلك التي سمعت بها عراكهم هذا الصباح. ما أحلى صوت العراك عندما يكون من أبنائي. أعلم أن هذا لم يكن رأيي هذا الصباح لكني أعترف بتغييره الآن وإلى الأبد. وأمهم الحنون ... آه يازوجتي العزيزة كم أحبك يا قمري وأوعدك أنني سوف أعود لكي قبل أن تفتقدينني. أحس أنني سأعود لأحضانك قريباً جداً. المشكلة الوحيدة في الأمر هي أنني أحس أن ما أقوله الآن هو لأُطمئن نفسي فقط لا أكثر
3
أسمع أصوات تأتي من بعيد. ربما أحضروا بعض الطعام. أرجو ذلك فقد مرت على الأقل عشر ساعات وأنا هنا محبوس وحدي أمشي من زاوية لأخرى ومن حائط لحائط. الآن عرفت إحساس السجين الذي لطالما سمعت عنه. الوحدة القاتلة. هذا كثير علي
وفجأة تفتح الأبواب ويُرمى جسد بجانبي على الأرض. لم يتحرك. هل تراه ميتاً أم عُذب لدرجة أنه لم يعد يستطيع الحراك. أهذا مصيري أيضاً؟ دنوت منه ببطئ ... لمسته ... تحرك جسدة بعيداً عني ... كانت ردة فعل فما زال رابضاً في مكانه لا يتحرك. أحس بتلك النظرات من خارج أسوار الزنزانة تراقب ما يحدث بالداخل وكأنما يريدون معرفة ما إذا كان السجين الجديد سوف يعيش أم لا. وفجأة دبت فيه الروح. تحرك. نظر إلي. إقترب مني. حام حولي. تسمرت مكاني ساكتاً فلم أعرف ماذا أقول له. يبدو وجهه كالعفريت. له تقاسيم شيطانية بل أقسم أنه شيطان. هل أقول له مرحباً بك في بيتك الثاني؟ من المجنون الذي أمر بوضع هذا المعتوه هنا معي في نفس المكان؟ أقسم للجميع أنني لم أفعل شيئاً فأنا شخص مسالم. كل ما أريده هو أن اعيش وأموت بين أهلي، هل هذا بالطلب المستحيل؟ أم أصبح العيش للعصابات والقوي يفتك بالضعيف والكبير يأكل الصغير ولعمري شكل هذا الوحش يوحي بأنه سوف يأكلني لامحالة
منذ متى أنت هنا يا هذا ... قطع علي شتات فكري بسؤاله
منذ الصباح الباكر. تخيل لم يعطوني فرصة لأودع أهلي. بل أخذوني عنوة. إقتحموا مسكني دون إستئذان و وو
هل طلبت منك أن تروي لي قصة حياتك؟ لا أعتقد ذلك أنا جائع ومنهك وأريد النوم
وانا أيضاً لكني أريد أن أعرف متى سيطلقون سراحي
نظر إلي وضحك وهو يقول ... أنت أغبى مما يوحي شكلك به. لن تخرج من هنا إلا وأنت ميت أو إلى سجن آخر
كان وقع كلامه علي وقع العاصفة التي تدوي فجأة وسط سكون الليل فتدمر كل شيئ في طريقها ... ماذا تقصد بكلامك ... سألته
ما أقصده أنك هنا للأبد يا غبي
مشيت للطرف الآخر من الزنزانة وأنا أفكر في كلامه. هل يمكن أن يكون ما يقوله صحيح أم أنه يريد ترويعي فقط لا أكثر. إن كان ذلك قصده فقد أحسن العمل فأنا أحس بخوف شديد مما هو آت
نظرت ناحيته وإذا به ينظر إلي نظرة غريبة. ثم إنطلق نحوي بسرعة. بدأت أعدو في دوائر حول الزنزانة وهو يجري خلفي. لا أدري لماذا يهاجمني ولا أدري لماذا أركض. أسمع ضحكات تأتي من الخارج. يبدو أن أحدهم يستمتع بما أنا فيه الآن من عذاب وهذه قمة السادية على ما أعتقد أن هذا أسمها. قررت بيني وبين نفسي أن أقوم بمهاجمته بدلاً من العيش بخوف للأبد. وقفت وإلتفت ناحيته وصرخت صرخة كبيرة ثم بدأت أركض ناحيته. يبدو أن شجاعتي المفاجأة كان لها أثرها فقد بدأ هو يعدو في حلقات وأنا خلفه. لا أدري لما أجري خلفه أو ماذا سأفعل لو أنني أمسكت به. بدأت أسمع الضحكات بالخارج تتزايد. لا أقدر أن أستمر خلفه فهو ذو طاقة عالية. بدأ يضحك بشدة ثم توقف قائلا ... أرجوك أنا أستسلم ... قالها وكأنما ما حدث للتو لم يكن أكثر من مزحة للترفيه عن نفسه. اليوم كله بحذافيره غريب. بل غريب جداً
4
وقفنا كل في زاية من المكان. بدأت أحس بتلك النظرات بالخارج تقترب من الباب. يفتح الباب وتُرمي بعض الفتات من الطعام ويغلق الباب بسرعة. نظرت للطعام ثم إلتفت ناحية الشيطان فتلاقت نظراتنا وبدون أي كلمة هجمت على الطعام. كانت ردة فعلي متأخرة جداً فقد إستحوذ على جميعه وبدأ يأكل بشراهة غريبة
هل لي ببعض منه أسُد به رمقي فلم آكل شيئاً منذ الصباح ... قلت له
لم يرد علي بل إستمر بالأكل وكأنما لم يسمع ما قلته له. ألا يشم رائحة الطعام النتئة. كيف يمكن أكله؟ أكاد أتقيأ من رائحته. أقول قولي هذا وأنا على أتم الإستعداد لمشاركته فيه إن سمح لي ... لكنه لم يفعل
جلست في الزاوية أفكر فيما يحدث. يبدوا أنني منهكاً جداً فلا أستطيع أن أبقي عيني مفتوحة أكثر من ذلك. أغمضت عيني قليلاً عل النوم ينسيني جوعي وقلقي. بل ربما فتحت عيني فوجدت نفسي بين زوجي وعيالي فأحكي لهم حلمي المزعج هذا
5
فتحت عيني. تلفت حولي. لا أري أحداً بجانبي. أين ذهب يا ترى؟ في الزاوية الأخرى من الزنزانة كان جسده مستلقياً لا يتحرك. بطنه منفوخ. يا إلهي لقد مات. يبدو أن الطعام كان فاسداً. هل أحاول أن أسعفه أم أحمد ربي أنه كان أنانياً ولم يدعني أشاركه الطعام. وقبل أن أتحرك نحوه ... فتح الباب ... مُدت يد إلى داخل الزنزانة ... إلتقطت جسد السمكة الميتة لخارج الحوض وأقفلت الباب خلفها لأبقى وحيداً في الحوض الصغير ... زنزانتي ... مرة ثانية

السبت، نوفمبر ١١، ٢٠٠٦

أطفال المقابر



هذه أوراق وجدتها ملقية على الأرض في أحد الشوارع. يبدو أنها مذكرات شخصية لأحدهم. قررت نشرها ربما قرأها أحد وعرف كاتبها

السبت 11 نوفمبر

فتحت عيني على صوت الهاتف يرن بجانب رأسي. لا أدري لماذا أضعه هنا وكلما رن وأيقظني من النوم شتمت نفسي ومن دعته نفسه للاتصال في هذا الوقت. مددت يدي ببطئ وكأنني أتمنى ان يكف الهاتف عن الرنين بعد أن يمل المتصل من الانتظار. يبدو أن المتصل ذو طاقة عظيمة على الصبر فلم يتوقف عن الرنين وكأنه يلح علي بالرد.
كانت والدتي على الطرف الآخر
أهلا يا أمي .. هل أنت بخير. سألتها ذلك كونها لا تتصل في مواعيد كهذه إلا في حالات طارئة
خالتك يا أبني خالتك ماتت
أي خالة . سألت وأنا أحاول أن أتصنع تأثر في صوتي كوني لا أهتم حقيقة للعائلة الكبيرة من أعمام وخالات وما يتبعهم من أبناء وبنات. بالنسبة لي هؤلاء امتداد أمام الأغراب فقط للتحدث عنهم أمام من يسألني إن كنت أقرب لفلان منهم. بالنسبة لي أخوتي وأخواتي وما يتبعهم من أبناء هم عائلتي. ووددت لو قلت أنني لا أهتم إن فكر أحد أبنائهم بي كما أفكر بأعمامي وخالاتي فالأمر سيان عندي

قطع صوت أمي تفكيري وهي تسألني إن كنت لازلت معها على الخط. المسكينة تحسبني لست معها وقد تشتت تفكيري حزناً بعد سماع الخبر. سألتها أي خالة ... ردت علي بصوت فيه بعض الحنقة " ألم أقل لك خالتي أم سعود ما بالك ألا تسمع"
يبدو أنها قد قالت لي من الذي توفى وأنا أفكر في علاقاتي بأعمامي. المضحك أو المؤسف في الموضوع هو أنني عندما سمعت بمن توفي كدت أن أقول لأمي ولماذا تزعجيني بموضوع لا يهمني أصلاً! إن كنت لا أبالي إن ماتت خالتي أخت أمي فهل من المفترض أن أبالي بموت خالة أمي؟ لا أعتقد أن الإجابة لها داع هنا

قفلت الخط بعد أن وعدتها بان أذهب للمقبرة حالاً فمراسم الدفن سوف تكون هذا الصباح. كم اكره الذهاب للمقابر. يبدو أن هذا الكره له علاقة بطفولتي عندما كنا نعيش تحت خط الفقر بجانب أحد المقابر ولم اعرف كطفل غير هذا المكان لألعب فيه. بينما عاش أخوان وأخوات أبي وأمي في مناطق راقية ولم يفكر احد في زيارتنا

لي في المقابر ذكريات اعتبرها الآن حزينة بينما كانت في وقتها سعيدة. أليس هذا ما يقوله الفقراء ليسلوا به أنفسهم بأن تلك الأيام هي أجمل الأيام وأن الأغنياء ليسوا براحة الفقراء. لا أعرف من بدأ بهراء كهذا! أقسم أنه أحد الأغنياء الذين لم يودوا أن يحسدهم الفقراء على ما هم به من نعمة فقال لهم أنه يعيش في هم وغم وكم يتمنى أن يعيش براحة بال الفقير الذي لا يفكر في الأموال وما تأتي به من غث للبال. مضحك منطق الفقراء السذج اللذين صدقوا مثل هذا الهراء بل ربما هم يستحقون أن يعيشوا بهذا المستوى جزاءاً بما كانوا يصدقون من أكاذيب بسيطة. ألم أقل أنني اكره المقابر لأنها تعيد لي ذكريات أحاول أن امحيها من ذاكرتي

ارتديت ملابسي بعد أن أخذت حماماً سريعاً. خرجت من المنزل على عجالة لألحق مراسم الدفن فكوني من أفراد العائلة فلن يغفر لي أحد تأخري. وفي الطريق إلى المقبرة بدأت أفكر في تلك الخالة التي كنت صديقاً لحفيدها الذي يقربني سناً. تلك العجوز التي كنت دائماً ما أراها تأتي لزيارة والدتي. وعلى الرغم من أن والدتي لم تكن تزورها أبداً بداعي الانشغال بأمور الحياة، إلا انها والحق يقال لم تقطع صلة الرحم. يبدوا أنني أتبع والدتي في علاقاتي بأهلي. بل تلك الخالة هي الوحيدة التي كانت تسكن قربنا أيام المقابر كما أسمي تلك الفترة ولم تقطع عادة التواصل منذ ذاك الوقت

خالة والدتي لديها ولد واحد من زيجة يتيمة سابقة لم يكلل لها النجاح. ولدها له ولد وبنت من زيجة سابقة لم يكلل لها النجاح! كدت أن أضحك من توالي الأمور في تلك العائلة فحفيدة تلك الخالة لها ولد من زيجة سابقة! وحده الحفيد، سليمان، من نجا على الأقل من كلمة الزيجة السابقة حيث أنه لازال متزوجاً حتى الآن. أدعو الرب أن يبقيه في سعادة مع زوجه وعياله فهو صديقي قبل أن يكون قريبي ولي معه صولات وجولات عديدة منذ أيام الطفولة حتى مرحلة الشباب

وصلت للمقبرة وإذا بأعداد كبيرة من المشيعين الذين جاءوا إما لمعرفة سابقة بأحد أفراد العائلة أو لكسب الأجر وأنا أشك في وجود أحد في هذا اليوم الحار طلباً للأجر فجميعهم ربما مثلي هاتفتهم أمهاتهم هذا الصباح لتأمرهم بالذهاب للمقبرة. وقبل أن أترجل من سيارتي خفضت صوت المذياع الذي كان يصدح ولو بصوت معقول بأغاني من المؤكد أنها لا تتناسب مع المكان أو المناسبة ففعلت ما فعلت من باب الكياسة واحتراما للمكان وليس لمن جئت من اجلها

أمضيت الدقائق القادمة في تحيات وعتابات مع أبناء عمومة لم أراهم منذ سنين. كان كل منا يلوم الآخر على عدم التواصل بينما الحقيقة في داخل النفوس هي أننا جميعاً لم نهتم أو نتأثر من عدم التواصل لكننا نقول ما نقول من باب المجاملات الاجتماعية التي فرضتها علينا التقاليد البالية. كان المنظر لا يوحي بحزن لفقيد من العائلة. ربما الأمر له علاقة بسن المتوفيه فقد جاوزت التسعين من العمر والجميع هنا أتى لتأدية واجب فرض عليه لا أكثر. ربما كنت أنا أكثر المستاءين من وجودي هنا فلم أكن يوماً قريباً لأحد من عائلتي كما أسلفت ولم أؤمن يوماً بخالق أو مخلوق. لا أقول هذا الكلام لأحد خشية أن يتم هدر دمي فمن أعيش حوله لازال يفكر بتقاليد دينية بالية ليس لها مكان الآن في هذا العصر، ربما كانت ذات قيمة يوما ما في عصر ما لكنه وبكل تأكيد ليس عصري أنا

صاح أحدهم بصوت عال بأنه قد حان موعد الصلاة على المتوفاة. دلفنا للمسجد الصغير في المقبرة وأتممنا الصلاة على روح خالة أمي والتي بالمناسبة كنا أناديها بخالتي. لا ادري لماذا كنت أحس بعاطفة أكثر وأنا أنادي العجوز التي تقوم على خدمتي في بيتي بخالتي ولم أشعر بمثل تلك العاطفة مع تلك الخالة

كان أبن المتوفية هو الوحيد الذي بان عليه التأثر الواضح. يبدو أن وجوده حول أمه طوال الوقت تلك السنين جعل فراقها أصعب عليه من أي أحد آخر. وجدت نفسي لا شعورياً اتجه إليه لمواساته في والدته. تصنعت بعض الحزن وأخذته في أحضاني. وفجأة بدأ في البكاء على كتفي. أحسست أنني قد وضعت نفسي في موقف أستحقه فليس هناك من أحد ألومه غير نفسي، فأنا من ذهب إليه ليواسيه بينما كان يجب أن أنتظر قليلاً واذهب إليه وسط مجموعة من المعزين. بدأت أحس برطوبة دموعه على كتفي. وكدت أن أدفعة فليس هناك ما اكرهه أكثر من إفرازات احد على جسدي، ولو كان هذا الشخص يبكي والدته. تلفت عن يميني وشمالي إلا أن إلتقت عيني بعين سليمان فأشرت له بعيني إن تعال وخذ والدك من على كتفي. وهذا ما فعله

وما هي إلا لحظات حتى تم حمل النعش على الأكتاف لأخذ المتوفية والبدء بمراسم الدفن. كنت أشعر بإنقباض شديد في صدري، فهذا الشيئ الذي أتحاشا القدوم للمقبرة من أجله. لا أدري إن كان خوفي من أموت قريباً أو عدم التزامي بأي شيء حث الشرع والدين على الالتزام به وربما الاثنين معاً. منظر الميت وهو ينّزل في القبر وصوت ملقّن الشهادتين وهو يلّقن الميت ولحظة البدء بإهالة التراب هي أسوأ المناظر. وربما منظر القبر والجميع يمشي بعيداً ليتلاشوا في ديناهم ويبقي وحيداً تحت التراب يساويه بالسوء هو ما يجعلني أنسحب ببطئ لحظة البدأ بإنزاله. الفرق الوحيد اليوم هو أنني لن أستطيع الهروب كوني من العائلة. ربما كان علي أن أترك الهاتف يرن هذا الصباح ... لو كنت أعلم

كنت سارحاً بفكري قبل أن يقطعه وخزة من الشخص الواقف بجانبي والذي إكتشفت لاحقاً أنه أجد أبناء عمومتي، كان يريد جلب إنتباهي للموقف الحاصل وهو عندما طلب الملقن من محارم المتوفية أن يقوموا بإنزالها. وعندما لم يتقدم غير حفيدها وظل ولدها الوحيد بعيدا غير قادر على السيطرة على مشاعره، إلتفت الجميع نحوي كوني من محارمها بحكم القرابة. وددت بيني وبين نفسي لو أن الأرض إنشقت لتبلعني وتخلصني من هذا المأزق. إنتظرت لثوان وعندما لم تنشق الأرض علمت حينها أنه لا من مفر سوى الإنصياع لهم. تقدمت بخطوات متثاقلة نحو القبر. وقفت على حافته. كان الملقن و سليمان في الداخل. نظرت إلى المكان فعلى الرغم من ترددي على المقابر، لم أرى في حياتي قبر بهذا القرب فكنت دائما أقف بعيداً كما أسلفت. لازلت حتى وأنا على الوشوك أن انزل اتمنى أن يقفز أحدهم من حولي ويقول لا تبالي دعني عنك في هذه، لكن لم يحدث شيئ من هذا القبيل، الم أقل إنني لا أحب تلك العائلة

نزلت وجلست على الأرض بجانب خالتي بعد أن أنزلناها. المكان ضيق، ووددت أن أقول أنه ضيق كالقبر كما أقول دائماً لكنه هو القبر بعينه وضيقه. وفجأة حدث شيئ لم يكن في حسباني أو خيالي. سأل الملقن عما إذا تم وضع شيئ ما ،لا اذكر ما هو الآن، داخل الكفن تحت رأس خالتي. كان الجواب من أحدهم بالنفي فإستشاط الرجل غضباً وطلب أن يؤتى بذاك الشيئ. ولما أجيب طلبه، طلب أن تتم غطية القبر بملاءة حتى لا تنكشف المرأة على الرجال. هل ذكرت أنها كانت قد تعدت التسعين من العمر! وهل يلام المرء عندما ينتقد تلك التقاليد البالية! ليس لي حتى تخيل المنظر داخل القبر مع الميتة وأنا وسليمان والملقن. أصبح القبر مظلماً بالشيئ الكثير من الملاءة.أحسست أني لن أخرج من هنا وأن تلك نهايتي. لم أحس باني مت مثل تلك اللحظة
ثم بدأ الملقن بتلقين الشهادة وعندها طلب منا أن نهز جسدها بأيدينا. كان هذا من أصعب المواقف التي مررت بها، فأنا الذي أخاف من القبور وجدت نفسي داخل قبر مغطى وأهز جسد الميت الذي لم يمضي على موته سوى سويعات! لا أعرف مغزى هز الجسد فإن كان الميت لا يسمع هل سوف يسمع إن إهتز جسده ... لا أعرف
كانت يداي ترجفان وقلبي يخفق بشدة خوفاً أو رهبة من الموقف لا يهم أيهما الحقيقة. كنت في الطرف ناحية القدم والحفيد بيني وبين الملقن. كنت أحاول ألا انظر للجسد، فأشحت بوجهي للناحية الأخرى وإذا برجل جالس بجانبي. قفزت من مكاني وأصدرت صرخة. تلاقت نظرتي مع سليمان الذي يبدو انه كان شاهد ما شاهدت. نظرت الرجل مرة أخرى فلم يكن هناك احد. بدأت تصدر أصوات من خارج القبر تتساءل عما يحدث وهذا بالضبط ما سأله الملقن فأجبته أنني هيئ لي رؤية عقرب. إبتسم رغم الموقف والمكان الذي نحن به. كنت أريد الخروج من هنا في أسرع وقت. وهذا ما حدث، حيث قفزت خارجاً ما أن قال الرجل أنه يمكننا الخروج. أسرعت الخطى نحو السيارة ولم أبقي لإتمام المراسم فكل ما كنت أفكر فيه الآن هو ذلك الرجل في القبر. ترى من هو وما ذا كان يفعل معنا ولماذا كان ينظر لي هكذا. لم تكن نظراته ودودة. لا أعرف كيف وصلت إلى منزلي ولم أجد نفسي إلا في الحمام تحت الماء الساخن. كنت أحس أنني لست على ما يرام، تقيأت كثيراً. وكيف أكون على مايرام وقد حدث لي ما حدث. فكرت فيمن يمكن أن أقول له ما حصل. لا يوجد أحد غير سليمان فلقد كان هناك وكانت نظراته توحي لي بأنه قد شاهد شيئاً هو الآخر. لا أدري لماذا أقول توحي بل أكيداً أنه شاهد بأم عينه ما رأته عيني. ذلك الرجل الذي لم يكن شاباً أو شيباً بل بينهما، ولم تدل هيئته على شيطنة أو رهبنة بل بينهما أيضاً. كان لابساً ملابس موقرة وذو شيبة ونظرة وديعة. غرقت بفكري فيمن رأيت حتى دلفت لفراشي وما هي إلا لحظات إلا وجدت نفسي غارقاً في النوم

الأحد 12 نوفمبر

هذا العصر ذهبت إلى بيت جدي الكبير لتلقي العزاء في خالتي. جلست في طرف القاعة. كنت أنظر لسليمان الذي كان يجلس في الطرف الآخر. كنت اريد أن ألفت إنتباهه لأسأله عن أحداث يوم أمس لكنه للأسف كان مشغولاً عني. كان جالساً بجوار والده في بداية الصف فوراً بعد جدي الذي أعتقد أنه جاوز المائة من العمر بمائة أخرى. يبدو أن الأثرياء يعمرون أكثر من غيرهم لأسباب تعتمد على من تسأله، فالأغنياء يرجعون ذلك لمدى حرصهم على الأنظمة الغذائية الصحيحة وعدم تورطهم في عادات مضرة بالصحة. أما الفقراء فيقولون بطريقة فيها الكثير من التشفي والحقد أن الرب يمد باعمارهم ليعذبهم أكثر في الآخرة. ولو سألتني لقلت أن الفقراء سفهاء في تفكيرهم كالعادة

جلست أتجاذب أطراف الحديث مع من جلس بجانبي من أفراد العائلة بين قيام وقعود لتلقي العزاء. كنت أجول بنظري في وجوه الجالسين فلربما وجدت وجهاً مألوفاً بينهم. نظرت للجهة المقابلة لي وإذا بالرجل نفسه يجلس مقابل لي. ذلك الرجل الذي شاهدته بالقبر يوم أمس. كان ينظر لي بنظرة غريبة. نظرت إلى سليمان وإذا به ينظر للجهة المقابلة له لكنها عكس الجهة التي كان الرجل فيها. كان شاخص البصر ووجهه محتقن بحمرة دمه. خرجت مسرعاً وإذا بسليمان يلحق بي، أوقفني وقال لي بصوت مخنوق "الرجل هنا" سألته أي رجل يقصد " أنت تعرف أي رجل أقصد ... إنه هنا يجلس أمامي في الجهة المقابلة لي" كدت أسقط على الأرض لا لأنه يرى الرجل الذي أراه لكنه يراه في الجهة المختلفة عني ... أي أننا الأثنين كنا نرى نفس الرجل يجلس في جهتين! ماذا يحدث لنا. قلت له أأنت متأكد مما رأيت. نظر إلي بنظرة غضب قائلاً أنني اعرف أن ما يقوله صحيح ولربما رأيت مثل ما رآه ولهذا خرجت مسرعاً أتلفت حولي كالمجنون. كان محقاً فيما قاله. لم أرد عليه بأكثر مما قال وتركته ومضيت لمنزلي

ألإثنين 13 نوفمبر

فتحت عيني لأرى ذلك الشخص جالساً على سريري ينظر إلي. صرخت فيه بأعلى صوتي محاولاً إذعاره لكنه لم يبين أدنى ردة فعل. وبهدوء شديد قال لي: ربما تريد أن تعرف لماذا أنا هنا
قلت: بالطبع أريد أن أعرف وأريد أن أعرف أكثر من أنت وكيف دخلت هنا
قال: إذا لنبدأ منذ البداية. أنت و صديقك كنتما دائماً ما تلعبان في المقبرة. صحيح؟
لم أرد أو أبدي أي شيئ بينما هو أكمل حديثه دون إنتظار لجوابي
عندما تم دفني وفي نفس اليوم أتيت أنت وصديقك ودنستما قبري. ما فعلتموه كان كبيراً جداً
قاطعته قائلاً: ماذا تقول ... أي قبر وأي تدنيس تتكلم عنه
قال: ربما لا تعلم ما فعلت وربما لا تتذكر أو لا تريد أن تتذكر. ما فعلته أنت وهو كان في نفس الوقت الذي بدأ فيه حسابي وقد كان فعلكم كبيراً أنني منذ ذلك الحين وأنا أنتظر اليوم الذي أنتقم منكم. لكنني لم أقدر أن أخرج لكم حتى تئتوني بأنفسكم. بل تكوني تحت الأرض معي وهذا بالضبط ما فعلته أنت وهو وما أن تمت تغطية القبر حتى أصبحت أنا وأنتم تحت التراب وجاء وقتي لأخرج لكم
قلت: وما تريد منا الآن فأنت خارج قبرك فأتركني وحالي أرجوك فلقد كنت طفلاً عندما فعلت ما تدعي أنني فعلته وعلى الرغم من أنني لا أعلم ما تتكلم عنه فأرجو أن تقبل إعتذاري
قال: لقد فات أوان الإعتذار والآن جاء دور الإنتقام. سوف أجعل الأمر بسيطاً عليك. كل ما عليك فعله هو إعطائي جسد صديقك لأعيش به بقية عمره
قلت: لم أفهم كيف أعطيك جسده لتعيش به
قال: تقتله بيدك ثم أدخل بروحي في جسده في تلك اللحظة التي تخرج روحه من جسده
قلت: أنت مجنون ... مجنون ... بالطبع لن أقتله ... لن أقتل صديقي ... أنت مجنون ... أُخرج من هنا
قال: هل تعرف ما قاله لي من تصفه بصديقك هذا عندما عرضت العرض نفسه؟ لو عرفت لما قلت ما قلته الآن
قال كلمته متجهاً ناحية الحمام الذي دخله وأختفي هناك

جلست أفكر فيما قاله لي. كان الموقف خيالياً لا يصدق. فكيف يكون شخص ميتاً طوال تلك الفترة ليأتي لي الآن يريد أن ينتقم! ولماذا الآن ولماذا ينتقم عن طريق قتل نفس وكيف، إذا سلمنا أنه سوف يعيش بنفس الجسد، كيف له أن ينتقل وهل سيعيش عيشة صاحب الجسد أم ماذا؟ أسئلة محيرة لا أجد لها جواب. لكن الجواب الذي أعرفه هو أنني لن أقتل قريبي وصديقي الوحيد ... لماذا أجبت هاتف الصباح

الثلاثاء 14 نوفمبر

أليوم حدث تصرف غريب من سليمان، فطوال فترة العزاء كان صامتاً يرمقني بنظرات غريبة. كان شارداً مقتضباً في ردوده مع الجميع وخاصة معي. حاولت أن أفتح معه حديث حول ما حصل لي لكنه لم يكن مستعداً لسماع أي كلمة مني. بدت ردوده مريبة بعض الشيئ خاصة عندما سألته بطريقة مباشرة إن كان هذا الشخص قد زاره وإن كان فعل فهل طلب منه شيئاً بعينه. رد علي بطريقة أشبه ماتكون بالآلية بأنه لا يعرف عن ماذا أتحدث
ترى هل نجح في قلب كيان سليمان ضدي؟ هل من الممكن أن يفعلها لينقذ نفسه بالتضحية بي؟ أسئلة كثيرة تدور في ذهني جميع إجاباتها ليست لدي
لا أدري لكني بدأت أتقين شيئاً فشيئاً أن سليمان يدبر لي أمراً وكيف لا وهو كان ينظر لي بنظرات تشيع بالحقد ... هذا الحقير يريد قتلي ... إنه لا يختلف عن الآخرين من عائلتي جميعهم حثالة ... الكلب نسى كل ما فعلته من أجله. هل نسي أنني نزلت لقبر جدته من أجله؟ أبهذا يكافئني ... سافل كأبيك تماماً

نادتني والدتي لتخبرني بأن سليمان قد أحضر بعض الطعام لي لكنه لم يقبل أن يبقى لنأكل سوياً بداعي العجلة لإنشغاله بأمر ما. كدت أجن عندما سمعت ذلك فيبدو أنه قد حاك مؤامرته بحنكه فجاء ببعض الطعام المسموم ليقتلني أبن الكلب. الحمدالله الذي ألهمني الخروج من حجرة أخي قبل أن يأكل أحد أخوتي الصغار أو والدتي فلقد كان الجميع على وشك البدء بالأكل عندما قمت برفس الطاولة بما عليها من طعام. لا أنكر أن الأمر كان أشبه بالجنون لكنني لم أقدر أن أفعل غير ذلك. تحملت غضب والدتي ونعتها لي بالحيوان الكافر الذي يرفس نعمة الخالق برجله وأن حسابي عنده لشديد لكني لم أهتم لأي من هذا. بل الشيئ الوحيد الذي أريده الآن هو كيف أتخلص من الحقير

عقدت أمري بأن أقوم بمباغتته الليلة فأستدرجه إلى أحد المناطق البرية عن طريق أحد الأصدقاء المشتركين بعد إيهامه بأنني أريد أن أتصالح مع صديقي بعد خلاف بسيط حدث بيننا ثم أطلب من هذا الصديق أن يمضي لحال سبيله قبل أن يصل سليمان فأقوم بالإجهاز عليه قبل أن يدرك ما يحدث. وسوف أستعين بسلاح والدي الذي يعلم الجميع أين يخفيه والمسكين يتصور أنه لا أحد يعرف مكانه. سوف آخذ سكين من المطبخ كإحتياط فلربما لم أستطع إستعمال السلاح لأي سبب كان. تلك نهايتك يا سافل. لم أتخيل أنني سوف أفكر بتفكير هكذا قبل يوم أمس ولكن عجيب ما يمكن أن تكتشفه لحظة أن تتمعن في أفعال من حولك. يا إلهي كم كنت غبي بإعتباره أعز صديق قبل ان يكون أقرب قريب

الأربعاء 15 نوفمبر

البارحة كانت ليلة من اصعب الليالي التي مرت علي. حقيقة لم أتخيل أن أرى ما رأيته. أن يقوم شخص بقتل قريب له من لحمه ودمه في سبيل شخص لم يراه إلا قبل يومين أو أكثر بقليل فهذا الذي لم أتوقعه. أعترف أن الصراع الذي حدث البارحة سوف يبقى في ذهني إلى أن أموت وسوف تكون آخر كلمات قالها القتيل ترن في أذني ما حييت

هذه أول وآخر مرة أكتب فيها في هذا الكراس قبل أن أتخلص منه. لست أدري لماذا أردت أن اكتب تلك السطور. ربما أحسست بتأنيب الضمير من عدم إنهاء تلك المذكرات التي شرع صاحبها في تدوينها قبل أن يموت وأدخل في جسده لأعيش به من جديد، فقررت أن أنهي ماكان يود أن يقوله هنا. أجزم أنه أراد أن يكون هو المنتصر على قريبه وصاحبه ليكتب ويكتب لكنه كان مخطأً فصديقه سليمان كان اقوى منه وأسرع على الرغم من العتاد الذي أحضره معه. عموماً لا يهمني الآن من قتل من، فالمهم عندي هو أنني أصبحت أملك هذا الجسد الغض من الآن وصاعداً

الجمعة، أكتوبر ٢٠، ٢٠٠٦

طفلتي

في ليلة ماطرة باردة من أحدي ليالي العاصمة البريطانية الشتوية جلست وحدي في غرفة المعيشة أفكر في حياتي. ربما كان منظر المطر وهو يهطل أمامي بشدة ليبلل ما تبقى من وريقات على شجرة التفاح المزروعة أمام ناظري في حديقة منزلي هو السبب. تلك الشجرة التي كانت قبل أيام ناظرة بورقها ممتلئة بالحياة والثمر أصبحت الآن مجرد أعواد متصلة ببعض. تكاد تحسبها ميتة وهي حية. ربما هي ذكرتني بحياتي

لم أجد شيئاً يستحق الذكر في حياتي. ربما هذا كلام يجافي الحقيقة. فالحقيقة يجب أن تقال أنني ناجح جداً في حياتي العملية. فأنا أعتبر من كبار مدراء الشركة التي أعمل بها وإدارتي تعتبر ناجحة بكل المقاييس وكل من يعمل معي يحترمني ويقدرني ويعمل لي ألف حساب. أما على النطاق الشخصي فلدي عائلة صغيرة مكونة من زوجة محبة وطفلين يملآن على حياتي سعادة. وفي نظر الأصدقاء والحساد على السواء محظوظ جداً. لكن السؤال هو لماذا رغم كل ذلك أحس أن هناك ما ينغص عيشي؟ ربما هو الزواج التقليدي هو من ألوم. هذا الزواج من إمرأة أعرفها حق المعرفة. بل كنت أحبها تماماً كما أحببت شقيقتي هالة. فلما تزوجتها شعرت وكأنني أعيش مع أحد أفراد أسرتي الكبيرة. الفرق الوحيد هنا هو نومي معها في سرير واحد دون أن يحتج الدين علينا. وياليته فعل فلربما أرتحت من كل هذا الألم الذي أحسه. ألا يعرف الآباء ماذا يصنعون بأبنائهم عندما يجبرونهم على الزواج من من أشخاص لا يكنون لهم حباً بالمعنى الزوجي بل كل ما هنالك حب أخوي! لماذا أدفع ثمن قرابة أسرية من حياتي فقط لتقوية روابط لا أعترف بها ولا أقرها. لماذا ألوم الجميع إلا والدي ونفسي

أو ربما مازلت أبحث عن تلك الفتاة التي لعبت بي كما تلعب الطفلة الصغيرة بدميتها. لعبت بي كيفما شاءت ورمتني كما ترمي حذاءها في نهاية اليوم ... على الأرض ... دون أن تفكر ولو ثانية في أحاسيسي

تعرفت عليها بصدفة غير مرتبة عندما سافرت إلى بلدي لأقضي بضع أيام مع والدتي العجوز. كنت ماشياً في أحد الأسواق الراقية فإستوقفتني تلك الإبتسامة العابرة من فتاة جميلة ساحرة مرت من جانبي. لم أكن مستوعباً ما يجري فلم أفهم ماذا يمكن أن يجعل فتاة في مقتبل عمرها وجمالها تفكر حتى بالنظر إلى رجل عادي مثلي وفوق ذلك تغمرني بإبتسامة ليست ذات عطف. لم أفهم كيف لمثلها أن يأخذ من وقته ليهدره على من هو على شاكلتي. فلست بالشاب الذي كنته ذات مرة منذ زمن ولى. ولست بالجذاب أو الساحر الذي ممكن أن يلفت نظر أحد عندما يدخل إلى قاعة مملوءة بالناس. بل لطالما تمنيت أن أكون هذا الشخص. ربما لمحت في عيني نظرة رجل كان. وربما لمحت بريق قد خبا منذ زمن ولى ولم يرجع. وربما، وتلك الأقرب للحقيقة التي لا أود أن أعترف بها، رأت شخصاً ضعيفاً أمامها. شخص يمكنها أن تحبه حتى تجد من تحبة بصدق لترميه للكلاب

أعترف أن جمالها أضعفني. تلك الإبتسامة المرسومة على شفاه حباها ألله بلون وردي لم تصنعه مصانع الجمال في باريس بل خلقه ليري الناس كمال خلقه وليثبت لمثلي لا يؤمن بشيئ أن هناك من هو قادر على صنع أي شيئ. كم وددت أن أرتوي من تلك الشفاه حتى قبل أن أخاطبها للمرة الأولى. ولعلها رأت كل هذا في عيني وقدرت في عقلها أن هذا هو ما كنت أبحث عنه. ربما أقول تلك الجملة لأعطي نفسي بعض السلوى في أنها هي من خطط لكل ما حصل لي دون أن يكون لي أي دور ... أنا الرجل

لعل ما حصل حصل بسرعة كبيرة منذ شاهدتها بتلك الإبتسامة إلى تبادلنا أرقام الهاتف هو ما أفقدني توازني في الحياة. حقا ودون مبالغة. فأصبحت حياتي تدور في فلكها وأصبحت لا أرى الدنيا إلا من خلال ناظريها. فجأة أصبحت أتحين الفرص لأسافر إلى بلدي لا لأرى والدتي فلم يعد ذلك همي على الرغم من أن هذا ما كنت أقوله لزوجتي. بل أصبحت هي وفقط هي من أريد أن أكون حوله كل يوم. بدأت أتحين الأوقات التي تشتد فيها ربكة إمتحانات الأولاد لأفاجأ زوجتي بنيتي السفر لأضمن عدم مرافقتها لي فلست على إستعداد أن أبدد أي لحظة في السفر في ترفيه زوجتي على حساب حبيبتي

كم من مرة ومرة سألتها عما تفعله في غيابي عندما لا أكون حولها في البلد. قالت أنها تنتظرني كل يوم لأتصل حتى ترتاح بسماع صوتي. كنت أقرأ الكذب في عينيها وهي تقول ما تقول وأراه صدقاً صدوقا لا تكذيب فيه. بل كنت أعطي لنفسي الحق في الشك بزوجتي وهي في الغربة وحيدة مع الأطفال وأفكر أفكار شيطانية فيما عساها تفعله وأنا بعيد عنها. أعترف الآن بسفالة تفكيري حينها

كنت أرى حياتي غير مكتملة إلا بها. كانت لي نور الصباح وعطر الربيع وضوء القمر وجمال النجوم وبراءة الطفولة. كانت هي الدم الذي يسري في عروقي. كانت هي لي أحففها بحنان ورقة. أحببتها بكل مشاعري كما لم أحب من قبل. ولم أكن قد أحببت من قبل أحد. حرصت أن أُعلمها كم أحببتها كل يوم حتى وأنا بعيد بآلاف الأميال. أرسلت لها وردة حمراء لترسم معنى الحب كل يوم سبت لتبدأ أسبوعاً جديداً. أرسلت لها وردة بيضاء كل أربعاء رمزاً للصفاء لتختتم الأسبوع. وما بين الحب والصفاء أرسلت لها وردة صفراء باقي الأيام لتعلم كم كنت أغار عليها من الهواء. كنت أصحو كل يوم قبل الفجر فقط لأرسل لها تحية الصباح على هاتفها لأكون أول شيئ تراه كل صباح
الغريب أنني لم أفعل أي شيئ من هذا القبيل لزوجتي. هل مازلت حاقداً على قرار أبي فعاقبتها بدلاً منه كوني لا أقدر على ذلك ولكن من السهل إنزال أشد العقوبة عليها

فاجأتني يوماً بخبر تقدم أحدهم لخطبتها. ولا أدري لماذا تفاجأت بمثل هذا الخبر. فلم أكن مستعداً للقدوم على مثل هذه الخطوة، ليس لأنني لا أحبها بل على العكس كنت على شفا أن أعبدها هي دون سواها بدون مبالغة، لكن كوني من عائلة ليست سليلة دماء زرقاء أو حتى حمراء بل ربما مثلي دمه شفاف لا لون له فجميع الألوان وزعت على عرب ذو قيمة وبقينا أنا ومن مثلي دون لون. أما عن السبب الآخر والأهم فهو فرق السن بيننا والذي يصل إلى عشرون سنة. وكي أزيد الطين بلة فأنا متزوج ولدي أطفال فمن يقبل بتزويجي أياها
بداية تسمرت على الهاتف فلم أعرف بماذا أرد. ثم بدون شعور وجدت دموعي تنسدل على خدي. بدأت أبكي كالطفل معها على الهاتف. ندبت قلة شجاعتي في عدم إتخاذ ذاك القرار بالتقدم لأهلها وليكن ما يكن. فقد يرون أنني أنسان له مكانته ويتغاضوا عن الأشياء الأخرى
سألتها عن موعد الزفاف وأعلمتني أن خطيبها يريد إنهاء كل شيئ بسرعة وأنه حدد نهاية الأسبوع المقبل لإتمام الزفاف. لم أصدق كيف كانت تتكلم عنه بأريحية و إعجاب وهي لم تعرفه إلا من أيام معدودات. بل لم تكن تنطق أسمه إلا وتسبقها بكلمة خطيبي.
عقدت العزم على رؤية ذلك المحظوظ الذي دمر حياتي دون أن يدري. فسافرت إلى بلدي وتوجهت في اليوم الموعود إلى الفندق الذي وصفته لي. لم يكن هناك أثر لزفاف. سألت موظفي الفندق فلم أجد جواباً لسؤالي. هاتفتها وأنا مرتبك فآخر ما كنت أريده هو أن أسبب لها مشكلة في يوم زفافها. أطلقت ضحكة مدوية وهي تعلمني أن الأمر لم يكن سوى مزحة فليس هناك زفاف ولا زوج بل كل ما هنالك أنها أرادت أن تعمل لي مقلباً فقط لا غير. ضحكت عليّ كثيراً. غضبت قليلاً قبل أن أبدأ بالضحك على نفسي. ربما لم أعرف هل أحزن على نفسي أم أفرح كونها مازالت لي ولم تصبح لغيري ... بعد

كلما مضى وقت أكثر لي معها زاد حبي لها أضعاف. وربما زاد خنوعي أضعاف مضاعفة. أصبحت كالخاتم في يدها. تطلب مني الحضور لأنها فقط إشتاقت لرؤيتي فألقي كل ما في يدي وأسافر في تلك الليلة لأكون أمامها في اليوم التالي إن لم يكن في نفس اليوم. أهملت بيتي وعيالي. أصبح عملي وبيتي يأتون في الدرجة العاشرة والحادية عشرة على التوالي بينما أحتلت هي المرتبة الأولى والثانية والثالثة دواليك حتى التاسعة. وأشك لو أنها طلبت أن تحتل المرتبة العاشرة أيضاً لوافقت على التو

كم كنت سعيداً عندما أخبرتني أنها ذاهبة للحج. لا أدري لماذا فرحت فلم أكن يوماً بالمتدين بل العكس تماماً. ربما فرحت لأنني فكرت بأنها سوف تغير من طريقة لبسها وتعاملها مع الشباب عندما تعود. وربما فكري أصبح بضحالة تفكير طفل في العاشرة من سنه. ما فكرت فيه لم يكن إلا هراءات ليست منطقية البته. أنا أعرف ذلك الآن لكني وقتها لم أعرف سوى حبها وكيف أحافظ عليه وعليها. كم تمنيت وقتها أن أكون معها. أن أكون محرمها لأحميها بجسدي من تدافع الحجيج. لأدعو الخالق في بيته أن ندوم لبعضنا البعض. لم يحدث ذلك. طلبت منها أن تدعو لي في عرفة أن نكون سوياً في العام القادم. كانت هناك إبتسامة على ثغرها لم تفارقها طوال الوقت وأنا أودعها ودمعي في عيني. عرفت لا حقاً ومتأخراً كثيراً سر تلك الإبتسامة من أحد صديقاتها اللاتي كن يغرن منها. أخبرتني تلك الغيورة أن حبيبتي لم تكن أصلاً في الحج. بل كانت في لبنان تقضي أمتع السهرات مع شلتها من الأولاد والبنات. غضبت حينها كما لم أغضب من قبل. كانت تلك القشة التي قصمت ظهري. لم أذكر العديد من المقالب والمواقف المهينة التي وضعتني فيها لتضحك علي. لم أذكر العديد من قصص الشباب الذين عرفتهم من ورائي وأعلمتني بها صديقتها الغيورة والتي لولاها لكنت أعمي حتى الآن

قررت أن أتركها لأنجو بنفسي من تدمير عائلتي بيدي. قررت أن أكتبها في قصة أو أهجيها بشعر لأروي مدى قسوتها علي. لم أعرف ماذا أو كيف أكتب فلم أمسك قلم في حياتي لمثل تلك الأمور. عن ماذا أكتب فأنا مذنب مثلها أن لم يكن أكثر في كل ما حصل. كلما مسكت القلم لم ترضى يدي أن أسطر سطراً يقدحها. مازلت أحبها رغم كل شيء. قررت أن أن أقرأ لأعرف ماذا أكتب. ذهبت لمكتبة الساقي في وسط العاصمة. أشتريت روايات القصيبي وواسيني وعلوان وتركي الحمد وكل من كتب ولو كلمة واحدة في الحب والغدر. أسميت نفسي زبون الأسبوع للقائم على المكتبة العراقي الذي لم يعلق بغير كلمة ... المحب يمكنك أن تراه من بين ألف ... قالها مع تنهيده أحسست بمرارة كبيرة فيها. ربما كان يحب أحداهن أيضاً
خرجت راكضاً لبيتي. قرأتهم كما لم أقرأ من قبل. لم أنجح للمرة الألف في كتابة شيئ. طلبت من أحد الصديقات أن تعيرني كتاباً يعينني كل ما أنا فيه. أرسلت لي ذاكرة الجسد لأحلام. شعرت وأنا أقرأ أن أحلام قد كتبت قصتي بيدها وقررت أن تحرف الشخصيات لتبعد عني الحرج. لا أدري لماذا رأيت نفسي في صورة خالد ذو اليد المبتورة والذي يعشق تلك الفتاة الصغيرة وهو يعلم أنها لن تكون له. لم أقدر أن أكمل الكتاب فالمقارنة أقرب من أن تكون صدفة. رميته من شباك السيارة وأنا ألعن الساعة التي بدأت بك يا أحلام. رميته فقط لأرجع أبحث عنه في ظلام الليل لأنني إكتشفت أنني لم أعرف ماذا يحدث لخالد في نهاية الأمر وربما أردت معرفة مصيري في عيون أحلام

جلست في أحد المقاهي العربية في لندن أحاول أن أكتب بعض السطور عنها. كنت الزبون الوحيد في تلك الساعة. سألتني صاحبة المقهي السيدة اللبنانية العجوز ... أنت خليجي ... أجبتها نعم ... وعرفت بعدها لماذا سألتني بعد أن أبدلت شريط وديع الصافي بآخر خليجي رغم حبي له لكنني لم أشأ أن أعاتبها وهي فعلت ما فعلت لترضيني. لم أكن أستمع لأي أغنية حولي. هكذا أنا أدخل في حيز ليتلاشى كل شيئ حولي ما عدا محيطي. رفعت رأسي وإذا بأغنية لعبدالله رويشد لا أعرفها لكن أستوقفني مقطع فيها يقول ... طفلة ولعبت فيني ... لم أستوعب ما سمعته ... حتى أنت يا عبدالله تعلم بأمري! ياليتكِ يا سيدتي قد أبقيت وديع فوديع وديع عليّ ... مزقت الورقة التي كتبتها فقد عرفت الآن أنه أنا من يجب أن أكتبه وليست هي

آخر مرة تحدثنا فيها كانت عندما هاتفتني بعد إنقطاع طويل لتعتذر عما بدر منها في حقي مرات ومرات ومرات. كنت قد أقسمت ،كما أقسمت من قبل كثيراً ثم أرجع عن قسمي من أجلها، إن هاتفتني ثانية لأغلق السماعة ولا أرد أو أستمع لها. وجدت نفسي فور أن سمعت صوتها أتحدث دون أي إعتبار لنفسي. كانت تعتذر وأنا أهدأ من روعها. كانت تعتذر وكنت أريد أن أكون أنا من يعتذر وربي فقد فعلت ذلك. عن ماذا إعتذرت لا أدري. كل ما أعرفه أنني إعتذرت لها. مشكلتي أن قلبي لم يكن يريد أن يراها ضعيفة هكذا. ولم يرق قلبي لنفسي التي ملت وهي تذل نفسها لها
قلت لها أعطيني رقم هاتفك لأكلمك لاحقاً. أحسست بصوتها يبتسم. سألتني كمن هو غير مصدق ما يسمعه إن كنت جاداً فيما أقوله. أجبتها أنني أحبها لو مهما حدث. أحسست بروحها وهي تخاطب روحي بقولها يا ذليل لكني لم أهتم أو أتراجع. قالت لي أنها سوف تعاود الإتصال ذلك المساء لنكمل حديثنا. كانت تعرف أنها لن تتصل مرة أخرى فقد أثبتت لنفسها أنها تقدر أن تلعب بي بإشارة من أصبع قدمها الصغير وأنني سوف ألقي بنفسي تحت قدميها متى شاءت

لم تتصل ثانية ... وظللت أنتظر ذلك الإتصال الذي لم يأتي حتى الآن

طفلة ولعبت فيني

الخميس، سبتمبر ٢٨، ٢٠٠٦

تحت الصمت

1

البارحة بعد أن ضاجعت زوجتي، ذهبت هي لتغتسل وظللت في الفراش مستلقياً على ظهري عاري الجسد تماماً في الظلمة العاتمة. أحسست أنني بحاجة إلى سيجارة لأدخنها. مددت يدي إلى المنضدة بجانب السرير أتحسس طريقي بأصابعي لكن لاشيئ. لم أجد شيئاً وعندها فقط تذكرت أنني قد توقفت عن التدخين. لا أدري لماذا ينتابني هذا الشعور بالرغبة بالتدخين كل فترة

فجأة أحسست بنسمة هواء باردة لفحت جسدي العاري وأنسدل باب الغرفة فاتحاً. يبدو أن زوجتي لم تحكم إغلاقه وهي ذاهبة إلى الحمام. رفعت نظري نحو الباب وهيئ لي أن هناك شخصاً واقف ينظر إليّ. دققت النظر وأنا أشعر بأطرافي تنقبض من هول ما هيئ لي أنني أراه. تأكد لي أن هناك شخصاً وأكاد أجزم أن هذا الشخص ليس بزوجتي فهي بدينة بعض الشيئ وهذا الذي يقف هناك كان أنحف منها بالشيئ الكثير. بدأ هذا الشخص بالمشي نحوي وأحسست بقشعريرة قوية تجتاح جسدي من رأسي إلى أخمص قدمي. كانت عيناي قد تعودتا على الظلام لكنني مازلت لا أستطيع أن أتبين شخصية المجهول دون نظاراتي التي لم تكن بجانبي كالعادة. بدأ جسدي يرتجف من خوف غزاه دون إنذار. أقترب هذا المجهول أكثر حتى أصبح ينظر إلي وهو واقف بجانب سريري مباشرة. إن الدهشة والرعب و المفاجأة قد أعقدوا لساني فلم أستطع أن أنطق أو أتحرك. وما زاد الأمر رهبة تلك النسمة الباردة التي ملئت علي مضجعي ولم تفارق المكان. نظرت إلى المجهول وإذا به إمرأة لكنني لم لأتبين ملامحها حتى إقتربت من وجهي وأطبقت بيدها على عنقي. كانت يداها ذات ملمس خشن وكأنها يدا رجل يعمل في البناء. إقتربت من وجهي أكثر حتى أحسست بنفسها يرتطم بوجهي وهمست بأذني كلمات لا زلت أفكر بها وأخاف من مجرد التفكير فيها. قالت لي ... تباً لك ... إلى متى أنتظرك

2

أكتب تلك السطور الآن وقد أصبح الصباح علينا. فتحت عيني فوجدت نفسي في فراشي وزوجتي بجانبي. نظرت إلى جسدي العاري فوجدتني لابساً لباس النوم. لا أتذكر أي شيئ غير تلك المرأة ولا شيئ بعد ذلك. أيقظت زوجتي من نومها لأسئلها عما حدث البارحة بعد أن ذهبت هي لتغتسل. لم تفهم ماذا كنت أقصد. لم أشأ أن أُخيفها بقصتي لكني توسلت إليها أن تعيد علي ما حدث. نظرت إلي بنظرة مملوءة بالشك وعدم الإستيعاب. رجوتها أن تقول لي ما حدث بالتفصيل دون أن تنسى أي شيئ وإن كانت لا تعتقد بأهميته في نظرها

قالت لي أنها ذهبت لتغتسل ثم جاءت وفتحت الباب وسألتني أن كنت أود الإغتسال. قاطعتها سائلاً إن كانت متأكدة من أن الباب كان مغلقاً أجابت بالموافقة. قالت أنني أجبتها بنعم للإغتسال وقمت وإغتسلت ثم وضعت ملابس النوم ودخلت فراشي بعد أن تمنيت لها ليلة سعيدة

لم أصدق ما سمعت. سألتها أن تعيد التفاصيل مرة أخرى. أعادتها علي وهي تسألني عن السبب وأشير لها بعدم المقاطعة وأن تجيب على تساؤلاتي فقط. بدأت تشعر بالحيرة وشعرت بأنني إذا إستمريت بالسؤال سوف تشعر بريب فآثرت أن أتركها وشأنها

جلست أفكر فيما قالت. الباب موصد وهي من فتحه. ما معنى هذا وأنا شاهدته يُفتح ونسمة الهواء الباردة تحف جسدي. كيف لا أتذكر أي شيئ آخر. مددت يدي بجانب المكتب لآخذ سيجارة من العلبة. تذكرت أنني أقلعت عن التدخين. ألم يحدث هذا البارحة أيضاً؟

أحداث البارحة هي الشيئ الوحيد الذي في خاطري الآن. فكرت في تلك الكلمات وتلك المرأة. لقد زارتني هي بعينها في حلمي لثلاث ليال متفرقة في السابق. الفرق الوحيد أنها لم تقل أي شيئ. هي فقط نظرت إليَّ تلك النظرة العميقة التي إخترقتني. وجدت نفسي أفيق من النوم وأنا غارق في عرقي على الرغم من برودة الطقس. من أنتي؟ و ماذا تريدين مني؟

القلم يرجف في يدي خوفاً. لا أستطيع الكتابة أكثر لكني يجب أن أستمر في كتابة جميع تلك التفاصيل. لا أدري لمن أقول ما حدث فمن سيصدق مثل تلك الرواية! وهل من الممكن أن تكون فقط رواية أو حلم؟ ربما جائتني بحلم حلمته بعد أن إغتسلت ولبست ملابسي. ربما يكون منزلي مسكون بأحد الجان الذين يريدوننا أن ندع لهم المنزل بسلام. هل من المعقول أن أفكر هكذا وأنا الرجل المتعلم؟ ولماذا لم يأتي لأحد غيري في المنزل؟ أريد سيجارة الآن. ربما حان الوقت لأترك هذا الهراء خلفي. " تباً لك إلى متى أنتظرك" ... كلما تذكرت تلك الكلمات رجعت لي القشعريرة ذاتها وأسبغت جسدي بالحبيبات من فروة رأسي إلى قدمي ... أنا خائف


3

حان المساء وزوجتي تنتظرني في الفراش وأنا جالس في غرفة المكتب أكتب هذه السطور. لا أريد أن أنام. فلست مستعداً أن أغمض عيني وأرى تلك المرأة ثانية. الخوف من النوم بدأ يتغلب على فكري. زوجتي تناديني. قلت لها أن تدعني وشأني وأن تنام قبلي إن شائت. رضخت في النهاية على غير عادتها فهي عنيدة بطبعها منذ تزوجنا قبل سنين عديدة

لا أزال لا أجد تفسيراً لما حدث البارحة. تلك الكلمات لا تزال ترن في إذني كأني أسمعها الآن وأنا أكتب. أيمكن أن يكون حلماً كالذي حلمته من قبل. لقد مرت عليَّ أحلام بالسابق على جانب كبير من الواقعية لدرجة أنني تساءلت بين نفسي ونفسي إن كان هذا حقيقة أم خيال. ولكن ما يقلقني من هذا التفسير هو ما حدث لي في فراشي وكوني لا أتذكر شيئاً منه

شيئ غريب يحدث الآن. خيل لي أنني رأيت شخصاً في الصالة المجاورة لغرفة المكتب. ذهبت لأستطلع الأمر فلم أجد أحداً. أحسست بنفس لفحة الهواء الباردة كالتي مرت علي البارحة. عُدت للمكتب لأكتب فوجدتها هنا تجلس على إحدى الآرائك بجانب المكتب. تنظر إلي بتلك النظرة ذاتها. تجاهلتها وجلست أكتب ما حصل. يدي ترجف من الخوف ولا أقدر أن أرفع عيني خوفاً أن تلتقي بتلك الأعين المرعبة. أنها تسألني ما أكتب. لم أرد عليها. سألتني ثانية. يا إلهي ماذا تريدين مني؟ لم أجب عليها للمرة الثانية. تريد أن تعرف ماذا أكتب. لن أرد عليها. إنتصبت واقفة وتقدمت مني. إقتربت أكثر حتى أصبحت بجانبي. مدت يدها لتزيح يدي. تريد أن تقرأ ما أكتبه. دفعتها بقوة وأنا ما زلت أكتب ... إنها تحاول أن تخطف القلم وتمنعني من مواصلة الكتاب ..و ل ..ن ..ي ..س س س ... كانت تصارعني وتحاول إيقافي عن الكتابة و لكني دفعتها بكل ما أوتيت من قوة فوقفت مذهولة ثم عاجلتها بدفعه أخرى إلى خارج المكتب وقفلت الباب بالمفتاح. إنها تطرق الباب بشدة. سوف توقظ زوجتي لا محالة. هل ستكون زوجتي في خطر. لا أعتقد فهي تريدني أنا فقط. اللعنة لماذا تريدني أن أتوقف عن الكتابة ... ربما كانت تريد إخباري بشيئ. لست أدري ولا أريد أن أعرف الآن. أريد سيجارة الآن

4

أصبح الصباح علي وأنا وازلت في مكاني خلف المكتب. أعتقد أنني قد غفوت لبعض الوقت. أُحس بجسدي وعظامي متيبسة من النوم جالساً على الكرسي طوال الليل. إستلقيت على الأرض على ظهري لخمس دقائق حتى عاد الشعور إلى رجليّ. لم يحدث شيئ إثناء الليل. ربما دفعتها بقوة لم تكن في حسبانها فقررت تركي و شأني. سوف أذهب لفراشي فور أن أكتب هذه الكلمات. . لعلي الآن أنام مرتاحاً فلم يحدث أن أتت في منام غير منام الليل. زوجتي مازالت نائمة. لن أوقيظها لعلها بحاجة إلى بعض الراحة. سوف أدعها وشأنها فلست بحاجه لها لتسألني لماذا بقيت طوال الليل في مكتبي. سوف أذهب للنوم الآن فور أن أدخن السيجارة. تباً لليوم الذي قررت فيه أن أُقلع عن التدخين. لا يهم الآن. لست خائفاً وهذا أهم من أي شيئ الآن. ولكن هل يجب أن أترك المكتب؟ أشعر بالأمان هنا وقد نجحت في إخراجها بالقوة. سوف أنتظر حتى تفيق زوجتي من نومها وأطلب منها أن تأتيني ببعض الطعام وتضعه بجانب الباب وسوف آخذه متى ما أحسست أن الوقت ملائم


5

جاء المساء مرة أخرى. كانت زوجتي متضايقة جداً من تصرفاتي. لم تستسغ فكرة مخاطبتي من وراء الباب المغلق لكنني لم أتنازل وظللت طوال الوقت داخل المكتب. والآن أنا وحدي هنا بعد أن هدأت الأصوات بالبيت. بدأت أشعر ببعض الخوف يتسلل إلى جانبي ببطئ لكنه بطئ فعاّل. جائت لي في فكري مرة أخرى. هل سوف تعود ثانيةً الليلة ربما لتنتقم. لا أدري لكني سوف أظل متيقظاً لأي حركة أو صوت يصدر من أي مكان في المنزل

لا أدرى كم مضى من الوقت لكني تعبٌ جداً ولا أقدر أن أستمر في يقظتي أكثر من ذلك. يا إلهي لقد شعرت بتلك البرودة مرة أخرى. تلك البرودة التي تأتي هي بعدها. أنا خائف من غضبها. هل جائت لتنتقم. هل أفيق زوجتي من نومها لترى بأم عينها تلك المرأة. لا أقدر أن أتحرك. كل جسدي مشلول ما عدا يدي التي تمسك القلم وتكتب. أشعر بها حولي لكني لا أراها. أحس بأنفاسها تقترب مني. أحس بوجودها قربي

من وراء زاوية باب المكتب ظهرت فجأة وكأنها كانت معي طوال الوقت. بنفس النظرة المورعة. بنفس الشعر المنكوش. أراها ببشرة شاحبة. وعيون بيضاء جاحظة. وأسنان صفراء. كم هي كريهة المنظر الليلة. لم تختلف عما كانت عليه سابقاً لكنها المرة الأولى التي أتمعن فيها بشكلها. أقتربت أكثر حتى وصلت إلي. أوطئت رقبتها وقرَّبت لوجهي حتى أصبح نفسها يرتطم بوجهي تماماً كما حدث في فراشي. لا أريد النظر. أنا مستمر بالكتابة رغم قربها مني. مسكت رقبتي بيدها وأطبقت بالأخرى عليها.أكاد لا أقوى على التنفس. همست بأذني "لن تفلت مني" توقفت عن الكتابة ورفعت رأسي وقلت بصوت خافت "ماذا تريدين مني" لم ترد على تساؤلي. مسكت القلم وكتبت ما جرى. لا زالت يديها مطبقتين على رقبتي. قالت لي " بيدك ثلاث خيارات ... إما أن تأتي معي وتكون لي وإما ان تنظم لعشيرتي فتكون منا فأتركك لحالك أو أقتل واحداً من أهلك كل أربعين يوماً وسأبدأ بأبنائك" ... ماذا تعني بحق الأنبياء... من هي ومن هي عشيرتها؟
وضعت القلم جانباً وسئلتها ماذا تعني بأن أكون لها ومن هي ومن عشيرتها. قالت وهي تحرك أصابعها من رقبتي لتمررها خلال شعري أنها من الجن وأنها عشقتني ولن تتركني إلى أن أكون لها. سألتها عما تقصده بأن أكون لها. قالت أنه ليس من شأني أن أعرف. سألتها وماذا عن الخيار الآخر. قالت أنها أشفقت علي من حبها ولم تود أن تراني مقتولاً على يدها لذلك أعطتني هذا الخيار ولولا حبها لي لكانت قتلتني على الفور. توقفت عن اللعب بشعري وشدته بقوة جعلتني أُطلق صرخة مكتومة وقالت: لديك حتى السادسة صباحاً لتقرر أي الخيارات تريد ... وكيف أكون منكم وأنا من البشر ... قالت لي أنه يجب أن أتخلى عن حياة البشر لأنظم إليها وعشيرتها برمي نفسي من أعلى نقطة في المنزل ... من سطح المنزل ... أنتحر ... سوف أموت وبلاشك. إبتسمت وقالت "لن تموت بل ستعبر إلى حياتي وحياة بني جنسي من بني جنسك ... سوف لن تكون إنسياً بعد ذلك" ... قالت هذا وإختفت كما ظهرت ... فجأة


6

ماذا أفعل. هذا كثير علي. أين زوجتي لأشرح لها ما حصل. لا يمكنني ذلك فتلك المرأة حذرتني من البوح لأي كان بما حدث وإلا سوف تكون العاقبة كبيرة على الجميع. أريد سيجارة الآن. من هي ولماذا أنا. ماذا أفعل الآن. لقد سألت نفسي نفس السؤال قبل ثوان. هل أنتقل إلى حياة اللا بشر أم أموت بيدها هي. لماذا قرار حياتي ومماتي وممات عائلتي أصبح بيدي أمرأة ليست من البشر. لا أستطيع التفكير ولا أستطيع التوقف عن الكتابة. كيف يمكن يمكن أن تختار أن تنتحر لتعيش أو تعيش لتموت؟ كيف يمكن لموت أن يكون عيشاً وعيشاً هو موت؟ أليس الموت هو الموت سواء عشت أو مت؟ أفكر في أبنائي الذين لا ذنب لهم فيما يحدث ... سيعلمون يوماً ما أنني فعلت كل ما بوسعي في سبيلهم

7

الساعة السادسة إلا ربع الساعة. لم يبقي لدي إلا القليل من الوقت لأتخذ قراري. جلست الساعات السابقة أبكي بدموع غزيرة. لا أدري ماذا كنت أبكي. هل هي حياتي أم زوجتي أم ماذا. إبتل الورق من دمعي وسال الحبر من على الأسطر التي سطرتها قبل ذلك. هل من المعقول أن يطلب من أحد أن يختار بين ممات و ممات؟ اليس الأثنين بنفس القدر من العذاب ... ليس أمامي من سبيل سوى أن أموت ليعيش عيالي ... لتعيش زوجتي ... وربما لأعيش أنا

جائتني قبل قليل مرة أخرى لتعرف جوابي وقراري ... أخبرتها أنني لا أستطيع أن أكون ملك لها ولا أستطيع أن أقتل عائلتي بيدي فهذا كثير علي. وعليه أخبرتها بأنني قررت أن أكون من بني جنسها وأنظم لعشيرتها. لم تبدي أي ردة فعل وكأنما كانت متوقعة أن يكون هذا ردي ... قالت لي سوف أنتظرك في الطرف الآخر ... إقتربت مني وطبعت قبله على خدي المبلل بدموعي

8

أنا على سطح العمارة الآن. الجو ماطر. ماء المطر بدأ يطمس ما أكتبه أولاً بأول لكنني لن أقف عن الكتابة حتى تلك اللحظة. ما هي إلا لحظات و سأكون من بني الجان. ما هي إلا لحظات و سأكون خفياً. ما هي إلا لحظات و سأكون من نار وليس من طين. يدي ترجف ورجلي لا تكاد تقوى على حملي. أشعر كالرجل الذي يساق للمقصلة ... وكيف لا وأنا ذاهب برجلي لمقصلتي ... أنا خائف جداً

سوف أمسك قلمي بيدي اليمنى وأوراقي بيدي اليسرى و أتسلق الجدار إلى أعلى نقطة و أرمي نفسي من هناك. ربما وجد أحد تلك الوريقات فأرجو أن يقل لزوجتي وعيالي وداعاً و أنني أحبهم حباً جما. وأنني فعلت ما فعلته حتى أحميهم و كان هذا هو السبيل الوحيد بأن أُضحي بنفسي من أجلهم... الوداع

9

في صبيحة اليوم التالي نشر هذا الخبر في جريدة السلام في صفحة الحوادث

أقدم رجل في العقد الرابع من العمر على الإنتحار برمي نفسه من سطح العمارة التي يقطن بها في أحد أحياء ضواحي العاصمة. وقال شهود عيان أن الرجل رمى نفسه وهو ممسكاً بأوراق تطايرت في الهواء في كل مكان. وقالت مصادر من الشرطة أن تلك الأوراق كانت غير قابلة للقراءة كون مياه الأمطار أمس مسحت ماكان مكتوباً بها. ويعتقد المصدر أنه ربما كانت هي وصية الرجل التي يشرح فيها أسباب قيامه بالإنتحار.

وقام محرر الصفحة بالإتصال بزوجة المنتحر التي أفادت أن زوجها يعاني من إضطرابات عصبية وأنه يعالج منذ فترة من إكتئابات ويتعاطى العديد من الأدوية التي يمكن أن تكون لها أعراض جانبية حسب ما قاله الأطباء المعالجين. وقالت أنه كان يتصرف بصورة غريبة في الأيام الثلاث الماضية حيث كان يكتب بإستمرار ولا يرد عليها عندما تكلمه. وعندما حاولت أن تعرف ماذا يكتب بأن مسكت الأوراق والقلم تصرف بصورة عنيفة وقام بدفعها وطردها من المكتب الذي ظل حابساً نفسه فيه حتى أقدم على الإنتحار صباح أمس. ولا يزال التحقيق مستمراً

إنتهى الخبر

الاثنين، سبتمبر ١٨، ٢٠٠٦

الثور - الجزء الثاني




لأنه لا داعي للشرف أحياناً ... إلا نبيذي

لم أقصد أن أتركك تعاني أو تخمن ما قد حدث طوال تلك الفترة، ولكن لا تجري الأمور كما تشتهي السفن أحياناً ... أليس هذا ما كنت تقوله لي بإستمرار ... يا قبطان حياتي ... إستعد لعاصفة هوجاء قد تجمح سفنك بعدها بغير هدى لمسافات وأيام ... ألم يقل المثل، وأنت خير من يعرف الأمثال لكونك صاحب الأصل والفصل، ألم يقل ما تزرع تحصد ... أنت زرعت ولسوف تحصد ما زرعته يداك ... آه كم كنت أموت في يداك ... لاحظ الفعل الماضي في كلامي فليس هناك حاضر أو مضارع أو مستقبل في قاموسي بعد الآن ... أنت وأهلك ... وإيمان طبعاً ... ليس لكم سوى الماضي في عقلي وعاطفتي ... وذاكرتي

حبيبي ... هل أجرؤ على أن أقول حبيبي ... أرجو أن تقبلها مني في سبيل العشرة التي جمعتنا يوما ما على الأقل ... أخبرتك في رسالتي السابقة عن إكتشافي لك وإيمان في سريري. والآن سوف تعرف مني كيف تنتقم المرأة ممن يسيئ لها ... أعترف إنني وقتها فكرت كثيراً بأن أنتقم منك ومنها بالقتل أو ما شابه ... وأصدقك القول أن الفكرة تلك راودتني تلك الليلة ولكن هل يمكن لأحد أن ينصفني! ألست أنت الرجل وأنا مازلت المرأة؟ أمازال الشرع والقانون والعرف والتقاليد البالية تعطيك الحق بقتلي إذا وجدتني في نفس الفراش مع رجل آخر لأنك تصرفت كبطل في حق من حاول تلطيخ عرضك وشرفك ... ولكن ماذا لو فعلت أنا ذات الشيئ؟ أليس من سوف يظهر من أهلك أو أهلها ليقول أنكما كنتما زوجين على شرع الخالق حتى وإن لم يكن هناك إثبات! فهناك دائماً طريقة لإثبات البراءة بتسمية مختلفة ... سمها كما شئت ... عرفي ... متعة ... مسيار ... في النهاية أنا من سوف يدفع الثمن وليس أنت. أنا من سيكون الجاني وأنت الضحية. تخيل إنك أنت الضحية. القاتل يصبح في العرف والقانون ضحية بينما الضحية من أريق دمها وأنتهك عرضها تصبح الجاني

عموماً كان هذا في الماضي وأنا بنت اليوم كما يقال. لم أفكر في إنتقام أسمى ولا أزهى من شريعة حمورابي الرافدين ... فعيني بعينك وسني بسنك وأنت من إبتدى وإنك الأظلم. ألم تقتات شهوتك على صديقة عمري؟ إذا فلسوف تقتات شهوتي على أصحابك ... ولسوف تبدأ بمن تحب وتقدر أكثر. ألم يكن سعد أحد أحب أصدقائك؟ ألم يكن هو من تربيت معه؟ ألم تثق به ليحفظ سرك؟ أعرف أن جوابك كان نعم لكل سؤال طرحته عليك. إذن فكر ثانياً فسعد كان أول من إستقبلته في فراشي بعدك ... و أقول أول لأن هناك العديد ... قد أخبرك عن البعض ولسوف أبقي البعض لنفسي ... ربما لغرض في نفس يعقوب أو أحد الأنبياء ... لا يهم الآن المهم السبب

لن أقول لك كيف جاء سعد لفراشي ... ولكني سوف أقول لك ما حدث في الفراش ... أتدري لماذا؟ لأنني لست كباقي النساء
جائني سعد وكله شبق مسبق ... يبدو أنه كان يتمناني منذ فترة ... أوهكذا قال، لا يهم فلم يكن هو في خاطري ولم أكن مستعدة لإشباعه ... كنت بحاجة فقط لجعلك تندم على فعلك و أعترف لك بذلك ... ولكن قبل أن يأخذك الغرور بعيداً أرجو أن تقرأ تلك الجملة ثانيةً فأنا قلت كنت بحاجة لجعلك تندم ولكن كانت تلك البداية ... لم يكن سعد بالمحب الذي تمنيت لكنه كان أسهل الجميع. لم تخطئ عيناي تفسير نظراته لي كلما جاء لزيارتك. كان يعريني بعينيه وأنا أمشي أمامه ... كنت أرى أنه يشتهيني ... كنت أراه مقززاً بذقنه المتناثرة ولباسه الغير مهندم. إستقبلته في فراشي عندما كنت في سفرية مستعجلة للعمل كما إدعيت وعلمت بعدها منه إنك كنت مع إحداهن في إجازة سريعة. جاء لي وهو غير مرتبك وكانما كان يعرف أنه سوف يحصل عما جاء من أجله. وكيف له ألايظن ذلك وقد دعوته بنفسي بعد أن شرحت له إنك لست بالبلاد. أتدري ما حدث تلك الليلة .. ولا أظنك تريد أن تعرف ذلك الآن ... لكني سوف أقولها لك رُغماً عنك وإن شئت فلا تقرأ ... أعرف إنك مازلت تقرأ ولهذا سأُكمل ... قلت له حينها أنني كنت في حاجة إليه وإنني همت به منذ أن وطئت عيني عيناه وصدق المسكين ... وأكون صادقة بأنه لم يبخل عليّ بشيئ تلك الليلة. أتعرف أنه ملم بكل ما تتمناه كل إمرأة! نعم هذا السعد الغير منطقي الصلف الجلف كما كنت تصفه أنت ... أُقر و أعترف أنني لم أصل إلى قمة الشهوة مع أحد مثلما وصلتها مع سعد ... لم يُبقي فاصلة في جسدي إلا وكان لسانه قد أحكم تغطيتها بإحكام ... لم تبقى همزة أو لمزة لم يكشف سرها ... كم أنا سعيدة بإختيارك له ليكون صديق عمرك ... ألمحت له بعلمك بمدى رغبتي به وإنك لم تنزعج أو تبدي أي رد فعل ... ضحك وقتها الصلف الجلف ونعتك بالرجل الديوث ... أعجبني الوصف وقررت أن أقول لكل من قابلت بعد ذلك أنك تدري عما أفعل ... وخصوصاً أصدقائك ... كم كنت سعيدة وأنا أخترق أصحابك الواحد تلو الآخر

ما بدأته كرغبة في الإنتقام سرعان ما أصبح جزء لا أستغني عنه في حياتي فلا أستطيع أن أعيش دون رجل يمدني بما أحتاج إليه ولا أجده فيك ... وهو كثير. أعرف أن ما فعلته خطأ ... لكنك رجل وكل الرجال خطايا ... و أنت الخطيئة الكبرى يا عزيزي ... لم أتخيل نفسي يوماً بحاجة إلى كل هؤلاء الرجال لكنك أنت السبب في ما وصلت إليه مما لا أجد وصفاً أدق من كلمة إدمان على كل رجل تشتهيه نفسي ... على كلِّ سوف لأترك تلك الأمور المتعلق فيني لعلمي أنها ليست ذات أهمية لوغد أناني مثلك

هشام كان مختلفاً عن الجميع ... ربما سوف أُخبرك عنه في وقت لاحق ... أين كنت ... وجاء أبو سالم ... تعرفه بلا شك! وكيف لا هو رئيسك بالعمل ... سمعتك تتكلم عنه بإستمرار أمامي ولم أعره أي إهتمام حتى جاء اليوم الذي زرتك فيه في مقر عملك ... لم تكن موجوداً حينها وصادفته هو عند المدخل ... عرفته بنفسي وعرفني بنفسه ثم دعني لتناول القهوة في مكتبه ... كنت أعرف ماذا يعني بالقهوة فنظرته وعينيه لم يتنازلا عن التحديق في صدري ,,, وكدت أضحك وهو يحاول مدارات تلك النظرات ... هؤلاء العواجيز كلهم سواء ... لا يريدون الإعتراف بأن القطار قد ترك المحطة منذ زمن وأن زمنهم قد ولى ... بعد القهوة بأيام إتصلت به لأشكره على كرم ظيافته ولطفه ... وما هي إلا بضع كلمات حتى كان قد ضرب موعداً معي ... المسكين لم يكن مصدقاً نفسه ... يا عزيزي كل الرجال مساكين لو يعلمون ولكنهم لا يعلمون ومن الأفضل أن تظل أنت وبني جنسك هكذا. لن أطيل عليك فلم يلبث طويلاً قبل أن يكون هو أيضاً في فراشي ... أضحكني العجوز وهو يحاول إعادة الشباب الذي ولى بغير عودة وأضحكتني أكثر الموسيقى التي وضعها ليجعل الجو رومانسي ... ولكن اتعرف ما أضحكني حقاً ... أنت عندما عدت لي بعدها بأيام فرحاً بترقيتك التي أسبغها عليك أبو سالم دون أن تعرف الثمن الذي تم دفعه نقداً! لقد طلبت منه أن يمنحك تلك الترقية وأخبرته إنك تعلم بوجودي معه وإنك أنت من رتب لهذا الموعد ... لا أدري لماذا قلت ما قلته لكنه لم يستغرب فعلك! ترى لماذا؟ أتراه يعرف شيئاً لا أعرفه؟ ضحكنا كثيراً عندما بدون شعور نعتك بالثور ... وإعترف لي بأنه سوف لن يراك بغير صورة الثور في باله بعد اليوم

هل تعرف من هو الرجل الذي لايمكن نعته بالديوث؟ خالد زوج شقيقتك ... هذا الرجل الغيور ذو الشك العظيم في كل شيئ. لا أخفيك سراً عندما أقول لك إنه كان يمقتني وشعوره كان متبادلاً مع شعوري ... لا أدري لماذا لكن أعتقد أن للموضوع علاقه بتسلطه على شقيقتك ... ليس هذا موضوعنا الآن ... على الأقل ليس هو بل هي و أعني بهي شقيقتك ... هل تعلم أنني أوصلتها بنفسي إلى منزل صديقها الذي قمت بتقديمها أنا إليه ... نعم فعلت ذلك ولا أُخفيك كم كانت متعتي وأنا أفعل ذلك ... أتذكر كم كنت تسترسل بالحديث عن أصلك وشرفك ... لا تنظر بعيداً يا حبيبي كل ما عليك فعله هو ان تنظر في أهلك ولسوف ترى العجب العجاب ... ألم أقل لك أن والدي لم يحبك أنت وأهلك ... كان ذو نظرة عميقة والدي ... وأنا كلي فخر أن أكون وسيلة لدمار أهلك ... ترى ماذا سيكون رد فعل خالد الشكّاك حين يعلم؟ لا داعي للتفكير لأنني سوف أعمل كل ما بوسعي لإظهار الحقيقة له ... ألست أنا جزء من العائلة ويجب علي كفرد فيها أن أعمل للمحافظة على شرفها ... وأيها شرف يا ذو الشرف المصون

أما هشام فلم يكن شكاكاً بل على العكس من ذلك ... ربما قلت لك المزيد عنه عندما يحين الوقت ... عزيزي لن أطيل عليك ... لكنني سأخبرك عن شخص آخر تعرفه ... علي ... نعم شريكك بالمعرض ... هل تريد أن أكمل ... لا تريد ... وأنا أريد والله يفعل ما يريد ... أُصدقك القول أنني انا من إشتهى علي منذ البداية ولم يستجب لي إلا بعد محاولات عدة ... لا أستطيع وصف الشبق الذي إجتاحني منذ أول مرة رأيته فيها ... هل من المعقول أن يخلق ربك أحداً مثله؟ أليس مثله مكانه بطلاً لرويات الغرام أو يورد ذكره بالقرآن؟ هل لي أن أراهن أن يوسف لم يكن بذاك الجمال مقارنة به؟ هل لي أن أختلف مع من يقول أن الجمال والرقة والرجولة لا تجتمع في شخص واحد؟يا إلهي لابد أنك إحتسبتني مظلومة وأردت أن تثيبني على ما مررت به ... أو إحتسبتني ظالمة فأردت أن تزيد من ذنوبي ... ليس لي إلا أن أقول أنني فزت به بعد طول إنتظار ... لا أدري لماذا تذكرت كم لاحقتني قبل الزواج عندما ظفرت به بعد طول ملاحقات! عرفت النشوة معه ... لم أحب أحداً من كل الرجال الذين إنتقمت منك بهم مثلما أحببت علي ... هل عرفت الآن لماذا أصررت على تسمية إبننا الثاني علي! لا تخف هو أبنك ... على ما أعتقد

بقي شيئ واحد لم أقله لك بعد ... أعرف أنك مازلت تقرأ و أكاد أرى يديك وهما ترتجفان وأنت تفكر فيمن سوف تواجه أولاً ... أنا أم هم؟ لعله سؤال فيلسوفي مثلك ... لا أعرف إجابة له فإجابته بين أظلاعك أنت وأنا لست سوى مخلوق خُلق من ظلع أعوج

الشيئ الوحيد الذي لم أذكره لك هو أن كل أو بعض أو ولا شيئ مما ذكرته لك هنا حقيقة ... لم تفهم ... أعلم ذلك فصعب على الثور أن يستوعب بسرعة ... ما عنيته هو أنني قد أكون إستقبلت الرجال في فراشي ... أو بعضهم ... أو أكون قد لفقت تلك الحكايات من خيالي الخصب أحياناً ... هناك حل بسيط ... يمكنك أن تسأل كل الرجال الذين تعرفهم إن كانوا قد باتوا في فراشك مع زوجك من قبل ... أو أن تنفي نفسك إلى مشرق أو مغرب الأرض أيهما أقرب إلى نفسك ... ولكن
ترى هل ستظل وفياً لسعد علماً بأنه قد يكون من طوّع جسدي بيديه؟
كيف ستتعامل مع أبو سالم؟ هل أخبر أحداً في العمل بما حصل أو لم يحصل بيننا؟
وماذا عن علي شريكك! ... ترى ماذا حصل بيننا؟
وأختك! ... هل هي وفية لزوجها وسمعتها ام ماذا؟
وماذا عن هشام؟ من هو؟ هل تعرفه؟
وهل هناك غير هؤلاء الذين ذكرتهم هنا؟

وهل لي أن أضحك كما لم أضحك من قبل؟

ألم أقل لك أن إنتقامي ليس كباقي النساء
ألم أقل لك إنك سوف تندم على ما إقترفته يداك في حقي
أعلم أنك سوف تهذي كالمجنون وسوف تكلم نفسك وأنت تمشي على الشاطئ كلما ضايقك أمر كالمعتاد ... وإعلم يا عزيزي أنه من الشك ما قتل ... ولسوف يقتلك شكك ... ولربما قتلتني ... لا يهم فأنت قتلتني مرتين كما قتل الثور الأبيض ... الأولى عندما أوقفتني وقلت كلماتك الأربع ... والثانية عندما إستبدلتني بإيمان

فهنيئاً لك بما إقترفته يداك

وهنيئاً لك بحياتك من الآن وصاعداً

الثلاثاء، سبتمبر ١٢، ٢٠٠٦

أبي

عندما كنت صبياً صغيراً كنت ألعب لعبة التنس في أحد أندية الدولة. كنت كلما أشاهد والدي وهو بصحبة أحد أصدقائه كان يمسكني من يدي ويقول لصاحبه "ولدي بالديسار ... لاعب تنس في هذا النادي" لم أكن أحب تلك الحركة ... لا أدري لماذا ... لم أكن أعرف أنه كان يقولها لأنه فخور بي. لم أعرف هذا الشيئ إلا عندما أصبح لدي من أمسكه من يده وأقول لأصحابي هذا أبني. كان أبي يود أن يعلم كل من هناك حوله أن هذا أبنه وكانت تلك طريقته في إعلامي بمدي فخره بي

أتذكر أنني كنت أنام على ساقه وهي ممددة على الأرض أمام التلفاز ... عندما لم يكن لدينا أطقم الأثاث الفاخرة وكان أغلب الناس يجلسون على الأرض دون أن يعطوها مسميات خجولة مثل الجلسة الشرقية أو ما شابه. كنت أضع رأس على رجله فيضع هو يده على رأسي ويدعك فروة رأسي بأصابعه وانا أشاهد مسلسل كونغ فو لديفيد كارادين ... حتى أجد نفسي نائماً في فراشي صباح اليوم التالي. كانت تلك الحركة تشعرني بالإطمئنان ... كنت أشعر أن تلك اليد سوف تظل تحرسني إلى مالا نهاية

قبل أسابيع قليلة وبينما أنا جالس أمام التلفاز في كرسيي الوثير جاء ولدي ذو السنوات الأربع وتسلق حتى إرتمي عليّ. ثم مالبث حتى أرخي رأسه على رجلي فتذكرت نفسي وأنا في حضن أبي وتذكرت تلك الدعكة على فروة رأسي وبلاشعور مني مددت يدي على رأسه وبدأت أصابعي تداعب رأسه تماماً مثلما داعبت أصابع أبي رأسي ... سألته بعد بضع ثوان إن كان يريدني أن أتوقف ... هز رأسه بالنفي ... رأيت عيني وحياتي وأبي في عينه ... ضممته إلى صدري وكأني أحاول أن أشم والدي في ولدي ... لعنت الساعة التي قررت أن أنفي نفسي فيها بعيداً عنه فلا أستطيع أن أشمه متى ما رغبت

قررت أن أعيش أجواء رمضان معه ... فكم لدينا من الوقت معاً قبل فوات الأوان ... حجزت البطاقات لي وللأولاد فلن أعود تلك المرة بدون بالديسار الصغير ليراه ويضمه بيديه ... سوف أطلب منه أن يدعك رأسه كما دعك رأسي من قبل ... عله يفهم ما أريد حقاً ويدعك رأسي للمرة الأخيرة ... سوف أمسك ولدي من يده وأقدمه له مرة أخرى ... لأشعر أنا بالأمان ... سوف أقبل رأسه مرات ومرات حتى تبقى تلك الرائحه الزكية في روحي لسنين وقد أورثها يوماً لأبني الصغير

لم يمهلني القدر أن أقول لك احبك يا أبي للمرة الأخيرة ... لم يمهلني القدر أن أضمك للمرة الأخيرة ... لم يمهلني القدر أن تدعك رأسي للمرة الأخيرة .... لم يمهلني القدر أن أراك للمرة الأخيرة
تباً للموت الذي لا ينتظر حتى نجتمع وأضع أبني في حضنك وأقول الزمن قف هنا حتى أشبع منه

كم فراقك صعب علي
كم غزير هو دمعي عليك
كم أنت عظيم
كم أحبك يا أبي
كم أفتقدك
كم هو صعب أن أكتب تلك الكلمات
كم أنا فخور أن أسمي هو إمتداد لإسمك

كم كان سهلاً أن أقولها لك وأنا بين يديك
كم هو صعباً أن أقولها وانا لست بين يديك

كم أنت بعيد عني
كم أنت قريب مني

أوعدك أن تكون في في قلبي كل يوم
أوعدك أن أضم إبني مثلما ضممتني كل يوم
أوعدك أن أعلمه إنك أنت من دعك رأسي
أوعدك أن أعلمه أن يدعك رأس إبنه

لا أقدر على الكلام فقلبي لا يقوى ... وعيني لا تقوى

وأمي لا تقوى

الثلاثاء، أغسطس ٢٩، ٢٠٠٦

الثور - الجزء الأول



أتذكر يوم إلتقينا قبل خمس سنوات بالتحديد ... أتذكر كيف تلاقت أعيننا كل في سيارته عند الإشارة الحمراء و أبيت إلا أن تودع إبتسامتك في خزائن عقلي
أتذكر كيف ظللت تتبعني أينما ذهبت تسعة شهور ... كلما خرجت من منزلي في الصباح أجدك ... صدفة ... ماراً أمام منزلي لتقوم بتوصيلي بطريقتك الخاصة إلى كليتي
أتذكر أول مرة تكلمنا فيها بعد طول إنتظار منك و ... مني. أوقفتني وانا ماشية لمحاضرتي الأولى ذلك الصباح. كانت الساعة التاسعة صباحاً يوم الثلاثاء بتاريخ 24/10/2001 ... يا ترى هل أحرجك أنني لازلت أقدس هذا اليوم وأحفظ تاريخه وساعته! هل تعلم أني لسنوات كنت أحتفل مع نفسي بهذا اليوم لأنه كان بداية لأسعد أيام حياتي ولم أعرف أنه سوف يكون بداية لأشقى أيام حياتي أيضاً

أوقفتني ذلك اليوم وأنت مرتبك لكن كان فيك من الجرأة أربكتني وأنا التي قد تدربت على هذه اللحظة مرات ومرات مع صديقتي إيمان ... تعرفها بلا شك ... ربما أكثر من اللازم! مسكتني من يدي وقلت ... ممكن كلمة لو سمحتي ... جنونك أربكني ولم أرد بغير نظرة نعم ... كان ملمس يدك وهو يلمس يدي أثار فيني كل العواطف التي لم أعرف أنها خُلقت فيني ... فكيف لي أن أعرف أن لمستك أنت تثير جلد رقبتي وتُسري قشعريرة لذيذة في أنحاء جسدي وأحس بطعم شبق في فمي ... لم يصف لي أحداً هذا من قبل. لم تقل لي صديقاتي عن هذا! بل إيمان ضحكت عليّ وقالت أنه لايوجد طعم شبق في الفم ... و أذكر أنني قلت لها يومها قد لا يكون طعم الشبق في فمي ... لا يهم ... المهم أن يكون أحس بنفس الطعم في فمه

أربع كلمات بدأت بها حديثك معي ... ممكن كلمة لو سمحتي ... أربع كلمات غيرتني إلى الأبد ... فلم أعد بتلك الفتاة البريئة التي لم تفكر حتى أو تجرؤ بالحديث مع شاب أصبحت معك حبيبة و صديقة وعاشقة ومعشوقة. أنت مدرسة تخرج متفوقين بالعشق ... أنت شوبان في سيمفونياته ... أنت مونيه في لوحاته ... أنت مملكة تنتج ألذ أنواع الحب ... أنت ... آه كم أكره كم أحببتك

أتذكر عندما جئت لطلب يدي من والدي ... وكيف عاملك ببعض العنف حينها ... لم يكن يفعل ما يفعل وقتها كرها بك ولكن كان يريد أن يحميني لم أعرف من ماذا حينها وعرفت لاحقاً بعد فوات الأوان
لم يغير معاملته كثيراً معك عندما جئت بوالدك صاحب الحضوة فليس بوالدي من يتنازل عن مبادئه أمام أحد فقط لكونه من كبار البلد ... فالأمر عنده سيان ... دائماً ما يقول أنهم هم من يخرب البلد ويسرقها ويقوّد عليها أمام الملأ ... لم يكن يحبك يا عزيزي

أتذكر كيف كنت في أيام الخطبة لا تقوى على فراقي ... كنت كنت تود لو أنك تراني في أي لحظة وكل لحظة في اليوم ... قلت لك سوف تمل مني وترد أنه لا يمكن أن يأتي هذا اليوم لأنك سوف تحبني طول العمر وزيادة ... ولا أعرف ماذا كنت تقصد بالزيادة

أذكر خروجنا إلى المطاعم الشهيرة كل ليلة وكيف كنت تحرص أن تسألني عن طلبي قبل كل شيئ وتتأكد من أن طبقي يعجبني ... بل تقوم بطلب طبق آخر لمجرد أن تلمح نظرة مني تشك فيها بجودة طعامي ... كنت دائماً تحاول أن تمسك يدي أمام كل الناس من غير خجل ولم أمانع فنظرات الغيرة التي تتبعنا كانت كفيلة بإرشادي نحوك ... هل تذكر كيف كنت تلمس بأصابع قدمك ساقي من تحت طاولة المطعم ... وكنت تهمس لي عن نعومة بشرتي وكم كنت تتوق للصعود بأصابع قدمك، ويدك إن أمكن، إلى أعلى نقطة ممكنة في الرجلين قبل أن يلتحما بالنقطة تلك
لم أقل لك وقتها ماذا كانت تفعل لمساتك بجسدي حينها... لم أقل لك كيف كانت لمستك تشد جسدي وتجعل كل قطرة من دمي تتجه نحو نهدي وحلماتي والنقطة تلك ... ألم تلاحظ كيف كنت أرتعش كلما فعلت ذلك و أتحجج ببرودة يناير الشتوية ... أظنك كنت تعرف لهذا لم تتوقف إلا عندما تحس أنني سوف أصل إلى نقطة الا عودة فتفعل ما سوف تفعله لاحقاً مرات ومرات ... تقف وتنسحب من جسدي

يوم الزفاف أتى بسرعة ... ربما أسرع من اللازم. أذكر كم كنت وسيماً يومها وكيف طبعت قبلتك على جبيني أمام كل الناس وهمست لي أنه لولا هؤلاء لكان مكانها شفتي ... قلت لك وقتها أنها ليلتنا لنفعل ما نريد بطريقتنا ... قلت لي أن أمامنا العمر كله وغمزت بعينك لتعرفني بأنك قصدت تلك الليلة فقط ... ولم أفهم تلك الغمزة إلا بعد سنين
وعندما رقصنا رقصة الشرف وسط تصفيق الحضور وغبطة المحبين وحسد الكارهين ... بدوت لي كأنك قمر السماء ... لم أعرف حينها لبنت مثلي أن تحصل على رجل مثلك ... ولربما هذا ما أكتشفته أنت بنفسك لاحقاً

كنت واثقاً من نفسك تلك الليلة بعد أن أوصلنا الجميع إلى جناحنا الفاخر في الدور الثالث والثلاثون في الفندق ... كان منظر المدينة خالباً للألباب وكأن الرب شاء أن يشاركنا فرحنا بسماء ملئها بالنجوم
دخلت الحمام لتأخذ دوش سريع وخرجت لي بذاك السروال الحرير الأزرق فقط ... وصدرك العاري المقتسم الحدود تبرز منه مقاطع وعضلات جعلتني أود لو أني مزقت ملابسي بيدي لأكون عارية بين يديك ... كانت نظرتك ترمقني بشبق وأقسم أني رأيتك ترطب شفاك بلسانك كما يرطب الأسد فمه قبل إفتراس الفريسة ... الفرق الوحيد أنني لم أمانع إفتراسك لي ... فشفتاي كانتا متشوقين لشفتيك وصدرك وكل ما فيك ... ونهداي كانا بأمس الحاجة لك ... يقسمان بإسمك ويودان لو أنك لم تبخل عليهما بالكثير من اللمس والهمس وما بينهما ... أتذكر ذلك اللباس الشفاف الذي أبتعته خصيصاً لتلك الليلة ولم أكد أضعه حتى كان على الأرض ... أتذكر لونه؟ طبعاً لن تذكر أي شيئ ... كان لونه أزرق كما أتفقنا قبلها أن نتمازج بالألوان لأننا واحد
وعندما إلتحمنا بقبلة بدأت بشفة ثم لسان ثم مص لسان ورقبة وأذن وكل مكان ... وكيف كانت يدك تدرب جسدي على الإنصياع لها ... كنت أحس أحس إنك لن تستمر كثيراً قبل الإنفجار ولكنك لم تخيب ظني يومها فلم يصبح لنا صباح حتى كان كل منا قد أعطى الكثير وأخذ الالكثير ... وضحكنا كثيراً ما بين وبين ونحن نفكر فيمن أوقعه القدر السيئ في الجناح الملاصق لنا لأنه لايمكن قد يكون قد إستمتع بنوم هادئ.
كانت إبتسامتي ذاك الصباح تدل على أن صاحبها قد أفرط في الوصول إلى الرغبة الكامنة ... وهل هذا بالشيئ المعيب؟ لا أظن ذلك فأنا أصبحت اليوم زوجة ولربما بعد تلك الليلة العظيمة ... أماً عما قريب
ولم تنسى أن تحتفظ بشيئ لأمك لتريها أنك أحسنت الإختيار وإنني لست بتلك الفتاة ذات التجارب ... كم أمقت أمك

أتذكر كيف كنت تسألني وأنت تشاهد مقاطع الزفاف على الفيديو أو ألبوم الصور عن صديقاتي واحدة واحدة ... وكنت تلح على معرفة أدق التفاصيل عن الجميلات منهم بالذات ... نوال .. شروق .. وفاء .. إيمان ... قلت لك وقتها لماذا تريد معرفة كل هذا عن صديقاتي فثرت في وجهي وإتهمتني بعدم الوثوق بك وأتخذت من كونك الرجل الشرقي الذي يجب أن يعرف كل شيئ عن زوجته ذريعة ... ولم تتذكر أنني وضعت كل حياتي ككتاب مفتوح بين يديك ... ولكن كان لديك هدف آخر اليس كذلك ... ما أغباني

لماذا لم أفكر بسبب وجودك في البيت عند حضور إيمان لزيارتي لمباركة الزفاف؟ كنت تخرج كل يوم ومنذ ثاني أيام الزفاف لأي سبب ولا تعود لساعات طوال ... لم تكن مجرد موجوداً يومها بل حرصت أن تكون في الإستقبال مرتدياً تلك الثياب التي تبرز عضلات صدرك ... ولم تنسى أن تكون ذقنك حليقة فور أن علمت بمن ينوي الزيارة تلك العصرية.
لم أرتب بشيئ ولم ترتب هي أيضاً لوجودك معنا ... بل ولربما سعدت بوجودك فلطالما حدثتها عنك وكانت تسرح فيما أقول ولا تنسى أن تعلق بين الحين والحين عن مدى حظوظي في الإيقاع بأحد مثلك ... لم تصدق أنك أنت من أوقع بي في شباكه ... لماذا أدفع ثمن وسامتك وأصالتك؟ أليس للفقير حظ في أن يكون الآسر يوماً بدلاً أن يكون الأسير كل يوم! لن أقول لك إن شرفي يضاهي أصلك ووسامتك وغناك بأضعاف لأنني فقدت هذا أيضاً

أتعرف لماذا فقدته؟ لن أقول لك لماذا بل سأقول لك متى ... عندما تركت كل نساء الأرض وقررت أن يكون قدري عندك هو ... إيمان في سريري ... لربما أنت مصدوم الآن ... لم تكن تدري أنني أعرف أي شيئ ... فكر ثانية يا حبيبي ... أتذكر عندما كنت حامل في الشهور الأولى وكنت متوعكة كل يوم تقريباً حتى أنتهى أمري كما تعلم في المستشفى لأيام وأسابيع ... مالم تعلمه أنني رجعت البيت ذات يوم بعد أن سمح لي الطبيب المناوب بالخروج لبضع ساعات ... لم أشأ أن ازعجك بل وددت مفاجأتك ... كنت قد سألت الطبيب حينها عن خطورة الجماع فلم يبدي أي إعتراض ولهذا رغبت أكثر بمفاجأتك ... تخيلتك نائماً في السرير وأنت تلبس اللباس الداخلي الحرير ... تخيلت نفسي أدخل السرير بهدوء بعد أن أكون قد تعريت من كل شيئ وأغوص الى الأسفل وأنزع عنك الحرير لأذوق ما تحته فقد أشتهيتك وأشتهيته الآن أكثر من كل شيئ ... كنت أريدك في داخلي ... تفرغ كل شحنة سالبة في جسدي ... حتى تجعلني أنسى من أنا ... لربما للحظات لكنني كنت بحاجة إلى أي منها

ولكن خمن ماذا رأيت؟

إيمان صديقة الطفولة منكبة على وجهها في سريري وأنت كالثور الهائج فوقها تخور وهي تئن بأنين الإستمتاع ... لا أدري ما علاقة برجك الثور بشكلك حينها ... فهل الاشكال على أبراجها تقع؟ ... أرى إنك لم تنسى أن تضع بعض الموسيقى الهادئة والتي لا يتناسب جوها مع ما رأيت ... أهذا ما تريد؟ زوجة بالنهار وعاهر بالليل ؟ أم تريدها عاهر في الليل والنهار وخادمة أيضاً ... ولم لا فالشرع معك والتقاليد معك والكل معك ... أما أنا فعاهر عند زوجي يعاشرني ... يضاجعني ... يغتصبني ... يخرج مافي جعبته على جسدي و صدري وليس لي أن أتحدى لأنني إمرأة!
يضحكني أولاد البلهاء الذين يضنون أن المرأة بحكم تربيتها وخلقها لا تنتقم ... وإن إنتقمت فلن يتعدى الأمر مشكلة بسيطة بين والدتك أو شقيقتك ... ربما هذا صحيح في الكثير من الحالات ... لكن حالتي ليست كباقي الحالات ... ألم تعرف إنني لست كباقي البنات عندما حاولت إستمالتي تسعة شهور دون فائدة؟ ألم تعرف إنني مختلفة عندما جعلتك تنسى ربك وتحلف بإسمي ليلة الزفاف؟
ألم تعرف إنني لست كغيرهن عندما أقسمت أنك لي طول العمر فقط لأعطيك شيئاً لا يرضاه أو يكرهه الشرع ... ولم أرضى ... وبست قدمي لأرضى ... ولم أرضى

نعم تألمت لخيانتك ... ونعم تألمت كونك فعلتها في فراشي وهو مكان مقدس لكل إمرأة لو كنت تعلم ... ونعم تألمت كون من كنت تخونني معها كانت صديقتي من بين كل الناس ... ولكن أتريد أن تعرف ما آلمني حقاً؟
ما آلمني حقاً هو إنك اخترت أن تستبدلني بها!! إيمان التي كنت تخور فوق ظهرها ويدك تحت بطنها تغوص في أعماق ذلك المكان وكأنما أنت وإمتدادك داخلها ليس بكاف لتمد أصابع العون والرحمة لتصل هي ... وليس أنت ... إلى نقطة الإنفجار. هل تعرف حقاً من هي تلك الإيمان؟ هي الفتاة التي أعطت العاهر والمومس لقب التلميذة ... هي التي لم يوقفها أحد عن الحصول على أي رجل ... أتعتقد أنك حصلت عليها كونك رجل بمعنى الكلمة؟ لا يا حبيبي ... هي مستعدة أن تنام معك ومع غيرك فقط لتثبت لنفسها أنه لا يوجد رجل يستحق في هذا الكون ... دعني أخمن ... بعد ذلك اليوم لم تستطع أن تحصل على موعد منها وإن حصلت فلم تحصل على مصة لسان أو لمسة نهد ... أليس كذلك! أرأيت كيف إنني أعرف كل شيئ ... ليس لأنني تآمرت عليك ولكن لأنني أعرف تلك الإيمان.

على فكرة إنني أعلم إنك حاولت أن ترمي شباك خيانتك حول نوال ... وكأنما لا يوجد غير صديقاتي ...لم تنجح لأنها أشرف من ذلك ... وأطهر منك ومن أهلك ... كم أنا غبية ... قالت لي نوال أن من يحاول بصديقة لن يتوقف عند واحدة ... وثقت بك و بهم ... اللعنة عليك و عليها

لهذا كنت متألمة لأنك إسترخصتني مع من هي أدنى مني ... ولهذا سوف أخبرك الآن بما لم تعلم عن إنتقامي ... لا أدري إذا كان من المفترض أن أقول إنتقام ... فعلى الرغم من كونه إبتدأ كإنتقام فقد تحول مع الوقت إلى شبق وشهوة ... و إدمان ... نعم إدمان ... أنا مدمنة وأنت السبب


أنتهى الجزء الأول

وصلت للكأس السابع وبدأت السطور تتداخل ... كأس نزار العاشر مازال بعيداً عني
قررت أخذ الكلب في نزهة فجرية، الساعة تشير الآن الي الثالثة صباحاً، لا أعتقد أنه كان قراراً حكيماً ... وماذا كنت اتوقع بعد السابع! كنا أنا والكلب كأعمى يقود مجنون أو العكس ... فبكلا الحالتين كنا نسير عكس السير وسط الطريق
I think it's time to hit the sack

الجمعة، أغسطس ٠٤، ٢٠٠٦

الجديد

فتحت عيني لأرى ما يدور حولي فقد غلبني النعاس وأغمضت عيني لفترة قصيرة كأنها لحظات ... بل هي لحظات قصيرة جداً والدليل أني مازلت تعبان ونعسان وأتوق إلى المزيد من الراحة ... من هذا الذي بجانبي ... إنه توأمي الذي لسبب ما لا أعتقد إنه أخي على الرغم من التشابه الكبير بالشكل بيننا إلا أننا نختلف في طباعنا إختلافاً شديداً ... فأنا دائما ما أحسست أني أتحمل المسؤولية أكثر منه فهو لا يبالي بشيئ ... ولا أحد ... وها هو كعادته كل يوم يلف حوله أصحابه ولا هم لهم إلا الحديث والضحك بصوت مرتفع ... إنهم يتعمدون إغضابي فهم يعلمون مدى كرهي ومقتي لتلك التجمعات ... إلتفت إليه وقلت
ألم تشبع من الكلام مع أصحابك ... طوال اليوم وأنت لا عمل لك إلا التحدث والضحك واللعب ... ألا تعتقد أنك لم تعد بتلك السن التي تسمح بهذه الأعمال
نظر إلي بوجه تشع منه التجاعيد مبتسماً وقال
وهل هي مشكلتي أن أخي و توأمي يريد أن يعيش شيخوخة مبكرة ... أنظر ما يقوله عنك جميع أصحابنا ... حتى النساء والأطفال منهم لا يفهمون سبب وجومك وحزنك المتواصل ... إنك تبدو كئيباً ... ولكني تعودت على رؤيتك هكذا منذ أن خُلِقنا
لم يعجبني ما قاله بحقي طبعاً فلست بالكئيب ولا بالوجوم ولا أعتقد أني أعيش شيخوخة مبكرة ... كل ما هنالك أنني أزن تصرفاتي بسني فأفعل ما يليق به ... أردت أن القنه درساً أمام الجميع فكيف له أن يتحدث إلي بتلك الطريقة ... وإن أراد ذلك فهناك الأوقات التي نكون فيها بعيداً عن آذان المتطفلين من الأصحاب ... آه من هؤلاء الأصحاب ... ومن قال أنهم أصحاب بل هم مثلهم مثل الأقارب الذين لم تكن تعرفهم من قبل ... يزورونك لمرة واحدة ولا يغادرون منزلك !!! بل أنتم من أريد تلقينه درساً ياعديمي الأخلاق ... ألا يكفي أن أشكالكم غريبة
تكاد لا تعرف ذكركم من أنثاكم
يبدو أنني فكرت بالجملة الأخيرة بصوت مرتفع فقد رمقني الجميع بنظرة غاضبة أحسست منها أن قوة الشباب لابد أن تغلب حكمة الشيوخ ... أو الشيخ بتلك الحالة فانا وحدي هنا ... نظرت لأخي و شقيقي و عضيدي وجدته ينظر لي نظرة لا تقل غضباً عن الباقين ... ما العمل الآن ... هل سوف يضربني الجميع بما فيهم شقيقي ... وما السبيل لتدارك الموقف الآخذ بالتأزم ... لماذا لا أبتسم وأدعي أن ما قلته كان بداعي المزاح
أما قلت لكم أنكم سريعي الغضب و الزعل
قلتها و أنا أحاول إصطناع بسمة صفراء على ثغري علها تصلح الوضع ... لم يرد أو يبتسم أحد
أنظروا لوجوهكم بالمرآة فكلكم أصبحتم تحملون وجوهاً كئيبة ... تماماً مثلما أتهمتونني قبل قليل
مرت لحظة صمت نظروا فيها بعضهم لبعض ... وإنفجروا ضاحكين ... الجميع يضحك ويشير على أنني كدت أموت خوفاً منهم
نعم قلقت من ردت فعلكم ولكنني لم أخف منكم ... قلتها في محاولة يائسة لإرجاع بعض كرامتي
أجل أجل يا أخي هذا ما حصل بالضبط ... رد علي توأمي ... آه لكم وددت أن أسدد له لكمة قوية تزيد من تجاعيده الكثيرة
ومن هي تلك الوجوه الجديدة التي أراها معكم ... قلت محاولاً تغيير الموضوع
رد توأمي بسرعة : إنهم أصدقئنا الجدد ... لقد إنضموا لنادينا
بدأ أخي يثير غضبي ثانية فهو يعرف إنني أكره هذا المصطلح ... نادينا ... إقتربت منه حتى لاصقت إذنه بفمي وهمست
ألا تفكر ... كم من الأصحاب الجدد سوف ينظم إلينا ... قريباً سوف لن يكون هناك مكان لنا
لا تقلق يا شقيقي فالمكان كبير ويسعنا جميعاً دون مشاكل
لماذا كنت متوقعاً هذا الرد منه!! لا أدري ... لأنني تعودت على الامبالاة التي يعيشها ... قررت نصحه
أخي العزيز يجب أن تعي ما يدور حولك ... فالحياة صعبة ولا تزداد إلا صعوبة كل يوم ... وأنا وأنت كل يوم نكبر بالسن ولا نصغر ... فلنعير إهتمامنا لعيشتنا ... وأي عيشة نعيشها ... حياة ذل وشقاء ... لم أسمع يوماً كلمة إطراء في حقي ... علماً بأني لم أرفض العمل يوماً ... لم أمرض يوماً لدرجة تستدعي عمل أي شيئ حياله ... بل كنت دائماً أتطلع ليوم عمل جديد ... ولكنني أعرف نهايتي هنا ... سيأتي يوماً تلتفت فيه الأنظار للشباب فهم متطورون ومتقدمون وكأنما نرمز نحن لعصر ... الجاهلية و ... التخلف
بدا علي التأثر وأنا أصدح بخطبتي الجماهيرية اليومية والتي لم ينصت لها هذا اليوم سوى ... الحائط
وفجأة فُتح باب الغرفة الموصد ... خرج الرجل صاحب العمل ومعه زوجته ... إتجهوا نحو الجميع ... وقف بقربي ... وضع قدمه فيني ... ووضع قدمه الأخرى بالقادم الجديد ... وسأل زوجته
أيهما ألبس هذا اليوم
نظرت إلينا زوجته وأشارت إلى القادم الجديد ... صديق توأمي وشقيقي ... الفردة الأخرى من الحذاء ... وقالت وهي تشير لي
سوف أرمي هذا الحذاء العتيق بالقمامة فلن تحتاج إليه ولديك الحذاء الجديد

الأربعاء، أغسطس ٠٢، ٢٠٠٦

رحيق الزهور

لم أكن أبالغ حين قلت أن أوراقي مبعثره في أكثر من بلد
البارحه بين الكأس والكأس وبينما كنت أبحث عن شيئ من ذكرياتي وجدت أوراق قديمة كتبتها قبل فترة وحسبتها ضاعت مثل أكثر حياتي

وكما أقول دائماً ... أجزم انها سوف لن تعني شيئاً للجميع ما عدا اليسير منكم وربما هي



يا مجانين كفا صراخ !!! صرخ الممرض في مجموعة المرضى بالجناح العام في مستشفى الأمراض العقلية ... كان صراخه أقوى بكثير من صراخهم ولكن من يجرؤ على محاسبته فهو الآمر الناهي في ذلك الجناح ... إنه أمير المنطقة وملكها المتوج ... لا يمكن لأحد منهم أن يرد عليه فذلك يعني حرمانه من رحيق الزهور ... وهو الأسم الذي يطلقه على الحبات المهدئة التي أدمنها هؤلاء المرضى ولا يقدرون على النوم بدونها والتي يتحكم هو بتوزيعها عليهم بحكم طبيعة عمله ... وبدون علم الأطباء ... معظمهم على الأقل
في الزاوية جلس أحدهم ساكتاً لا يتحرك ولا يتكلم بل يراقب ما يجري حوله بعيون ذكية ونظرة ثاقبة ... نظر إليه الممرض وإبتسم من بعيد قائلاً "وأنت ألا تريد بعض رحيق الزهور" لم يرد عليه واكتفى بنظرة شامته فقط ... فهو لم يتعاطى تلك الحبوب من قبل ولا ينوي بل كان يرفضها رفضاً قاطعاً لعلمه أنه إذا أخذها سوف يدمنها ... وإن أدمنها فلن يغادر هذا المكان أبدا
ً
إقترب الممرض منه وأشار له برأسه أن يتبعه ... سار ورائه المريض دون أي ممانعه حتى وصلوا لمكتب الطبيب المناوب الذي كالعادة لم يكن موجوداً وبدأ الممرض الحديث
هل لا زلت تعتقد أنك شفيت وتستطيع العيش في الخارج؟
ولماذا لا تقول إني بدأت أنجح في إقناعكم بأني لم أكن مجنوناً أصلاً ... قالها بحده ... أنت بالذات تعرف القصة كاملة .. أنت أول من شاهدني يوم أدخلوني هنا رُغماً عني ... كل جريمتي أنني ورِثت أبي فكان نصيبي أن رماني عمي العزيز هنا ... مجنوناً رغم أنفي
صرخ الممرض قائلاً : كلكم عاقلين وأنا المجنون أليس كذلك! كان الممرض رغم ماقاله يعرف أن ما سمعه للتو هي الحقيقة ولكنه لم يكن ليجرؤ على عمل شيئ حيالها
ماذا تريد مني الآن .. لماذا أتيت بي هنا؟
لاشيئ ... فقط أردت أن نتسامر فأنت أعقلهم ولايوجد أحد أو عمل لأنجزه الليلة ... وجلس الإثنان يتسامران ... يسأل المريض عن الحياة خارج أسوار المستشفى ويرد عليه الممرض ... قال له من ضمن ماقال "إن الحياة بالخارج جميلة ومليئة بالغرائب لكنها مليئة بالمصاعب والمصائب" ... هز المريض رأسه موافقاً فهو ضحية واحدة من تلك المصائب
وسأل المريض "هل تعتقد بأني قادر على الحياة بالخارج ... خارج أسوار المستشفى أقصد فقد مضيت هنا أكثر من نصف عمري" ضحك الممرض من السؤال بصورة هستيرية مقززة وقال
إنك لمجنون حقا
ً
لم ينم المريض تلك الليلة فقد كان باله مشغولاً بشيئ واحد فقط وهو كيف يمكنه الخروج من هنا دون أن يحس به أحد ... فقد سأم المكان .. فالجميع مجانين المرضي منهم والأطباء اللذين يتصرفون أغرب التصرفات ... ولربما صدق المثل القائل بمن عاشر الناس أربعين يوماً أضحى منهم وهؤلاء وبلاشك أمضوا أياماً وشهوراً طويلة تفوق الأربعين يوماً بالكثير
هداه فكره لرشوة أحد العاملين على النظافة في الجناح ليزوده ببعض الملابس العادية وقت إنتهاء الزيارة الأسبوعية خاصة وأن لا أحد يزوره من عائلته إلا سائق والده العجوز بين الحين والآخر ... الذي لربما يزوره وفاءً لذكرى والده أو إحساساً بالذنب لما يحصل لهذا الولد ... وقرر البدء بالتنفيذ من اليوم التالي
وماهي إلا أيام حتى أصبح كل شيئ جاهز للتنفيذ ولم يتبقى غير موعد الزيارة ... الأيام تمر بتثاقل عجيب حتى الدقائق تمر وكأنها أيام ... زاد إنطوائه على نفسه فلم يعد يكلم أحداً بتاتاً وأصبح كل همه مراجعة الخطة والتفكير في ما سيفعله بالخارج وماذا سيقول في أحاديثه للعامة الأصحاء مثله! وأخيراً جاء يوم الزيارة ... ولأول مرة يتمنى ألا يكون قد زاره أحد وكان له ما تمنى ... أرتدى ملابس الهروب تحت ملابس المصح وجلس بهدوء ينتظر ساعة الصفر
أعلن موظفوا الإستقبال إنتهاء موعد الزيارة فوثب من مكانه وإتجه بسرعة لدورة المياه ... نزع عنه ثياب المجانين وألقاها على الأرض ولم ينسى أن يدوسها بقدميه ... ولا بأس من بصقة سريعه عليها! خرج من دورة المياه وعينيه تنظر للأرض خوفاً من أن يتعرف عليه أحد من العاملين ... مشى بهدوء نحو البوابة ... لم يوقفه أحد ... أقترب منها ولم تبقى إلا بضع خطوات على الحرية ... للأبد ... وفجأه جاءه صوت من خلفه
قف ... قف لو سمحت ... فكر في أن يطلق ساقيه للريح لكنه لم يفعل ربما الخوف الذي جعل قدماه تتسمران في مكانهما ... وإلتفت نحو الصوت ليجد شخص لم يكن قد رآه من قبل وأكمل الصوت قائلاً
لقد سقطت منك المحفظة يا أستاذ
تناول المحفظة ولم يشكره بكلمة لأنه لم يقوى على الحديث فعقله ليس معه بل سبقه تلك الخطوات التي تفصله عن الحرية ... إلتفت نحو البوابة وسار تلك الخطوات بسرعة وخرج منها ... لاحت منه إلتفاته نحو المصح وقال مع إبتسامه ... ولو بعد حين!! مشى بضع خطوات حتى توارى عن الناس وفعل شيئاً لطالما اقسم لنفسه أن يفعله عندما يخرج من هذا المكان ... رمى بنفسه على الأرض وبدأ يقبل ترابها ... دمعت عيناه ... ضحك ضحكة عالية اختلطت فيها الدموع بالضحكات وخلقت مزيجاً مجنوناً لا يفهمه إلا من كان مجنوناً ... وما أقل المجانين حولنا
أين أذهب ... شرع يحدث نفسه ... إلى البحر ... بل البر ... لا لا حديقة الحيوان ... بل حديقه كبير بلا أسوار أو حراس ... أريد أن أرى بشراً لا يصنفوني بلقب مجنون أو مريض أمراض عقلية كما يحب أن يناديني المثقفين منهم دون أن تسبب لهم الكلمة أي إحراج ... لا يجب أن أذهب لعمي أولاً قبل كل شيئ فلابد أنه يريد يقدم لي الإعتذار عما فعله بي طوال تلك السنين ... ولكن كيف الوصول لكل ذلك ولا أرى أمامي إلا شوارع خالية من البشر ... هل مستشفى المجانين خطر على صحة البشر ليضعوه في آخر الدنيا ... يبدو أن الجنون أصبح كالجذام مرض معدي
وفي إثناء ذلك لمح عربة نقل قادمة من بعيد تجاه حيث كان ... وقف قريباً من الطريق وأشار لمن فيها الذي توقف وفتح نافذته سائلاً
إلى أين
إلى المدينه إذا سمحت
تفضل بالركوب فالمدينة في طريقي
ركب المركبة بعد أن شكر لقائدها لطفه وكرمه بيد أن الرجل كان يبتسم إبتسامه فيها من الخبث وهو يهرش شعره الأشعث ... إستمر الرجل في القيادة لفترة طويلة دون أن ينبس ببنت شفة وكان المريض فيها يتضور جوعاً لكلمة منه ... كان يريد أن يسأله عن المدينة وعن أهلها وأين يذهب و و... ولكن خاف أن يكشف أمره بأسئلته ... وفجأه سأله الغريب
كم عندك من النقود يا هذا
لماذا تريد أن تعرف
لأني سوف آخذها منك يا حمار ... أو حسبت أني سوف آخذك ايما شئت دون مقابل ... لابد أنك تحلم
ولكن لماذا تريد أخذ نقودي
اووووف ... أنت مجنون أم ماذا
كاد المريض أن يقفز من مكانه ... هل تراه عرف حقيقته ... ما لم يكن يعرفه أن ما قيل له لم يكن إلا كلام إستهزاء يتفوه به الناس ليسبوا بعضهم بعضاً بنعتهم بما هو يعاني منه
رفض أن يتنازل عن نقوده ... أوقف الرجل المركبة ونزل منها متجهاً ناحيته ... فتح الباب وسحبه خارجها من ثيابه وبدأ يكيل له اللكمات .. لم يعرف كيف يدافع عن نفسه ... أو حتى لماذا يضربه الرجل الغريب ... كان يصرخ من الألم والرجل لا يريد التوقف عن الضرب وكأنه يريد إفراغ همومه بأحد ... حتى تعبت يداه من اللكمات وقدماه من الركلات ... حينها توقف ورحل ولكن ليس قبل أن يسلب النقود كلها ورما محفظته على وجهه الملطخ بالدماء ومضى

أستجمع قاه الخائرة وبدأ يمشي لا يدري إلا أين ... نزلت دمعة على خده لم يعرف كيف يمسحها ... إقترب من حافة المدينة وبدأت أنوارها تقترب وتخفف من آلامه .. تعبت قدماه من المشي ... جلس قليلاً ليرتاح ... أحس بالجوع لكنه لا يملك أي نقود ليشتري بها شيئاً ... تذكر كيف كانوا يطعمونه كل يوم باوقات محدده ... الآن بالتحديد ... مر بجانب بعض الغرباء فطلب منهم أن يساعدوه بقليل من المال صاحوا عليه بأن يجد لنفسه عمل شريف بدلاً من إمتهان الشحاذه سبيلاً للعيش ... لم يكن يفهم تعلق الناس بالمال ... كأن المال هم من يملكهم ولا يملكونه !! لربما فكر بما فعل به عمه من أجل المال
ومضى هكذا حتى ساعة متأخرة من الليل كلما حاول التحدث مع أحد تلقى تلك النظرة ... نظرة الإمتهان دون أن يتعنى أحد عناء الرد ... أطرق يفكر ... مابال هؤلاء الناس ... أهذا ما هربت من أجله
ظل يمشي حتى وصل منزل عمه الذي مازال يعيش بنفس العنوان ذاته القديم ... طرق الباب ... مضى بعض الوقت قبل أن تضاء الأنوار من الداخل وصوتاً يعرفه حق المعرفة يسأل عن الطارق في تلك الساعة من الليل
أنه أنا يا عمي ... مسعود
فُتح الباب و أطل عمه وكأنه يرى شيطاناً وقال
ماذا تفعل هنا ؟ وكيف خرجت من المستشفي ؟ ومن أخرجك ؟ ومن فعل بك هكذا؟ وتوالت الأسئلة
ألن تدعوني للدخول يا عمي أولاً
لا الوقت متأخر والجميع نيام
إذن أعطني بعض مالي ودعني أمضي بحال سبيلي فأنا جائع
مالك ! أي مال تتحدث عنه يامجنون ... ليس لك عندي شيئ
لماذا يا عمي
لا تناديني عمك إغرب عن وجهي وإلا أبلغت الشرطة
مشى بعيداً ولا يدري أن تقوداه قدماه ... وكلما مر ناحية مراهقين لم يخلو الأمر من تلقيه السخرية أو حتى الضرب من بعيد بشيئ طائر مع الكثير من الضحك
تذكر سائق والده العجوز ... تناول رقم هاتفه من المحفظة الملطخة بالدماء ودخل أحد المتاجر سائلاً العامل إن كان بإمكانه إجراء مكالمة هاتفية قصيرة ... رمقه الرجل بنظرة إشمئزاز وهو يهز رأسه بالإيجاب ... تناول الهاتف وفي الطرف الآخر جاء صوت الرجل العجوز
من المتكلم
أنا مسعود يا عمي وانا بحاجة إليك تعال لي الآن
مسعود! وأين أنت الآن؟ أولست في المصح
لا يا عمي لست هناك أرجوك تعال وخذني
حسناً حسناً قل لي أين أنت
إلتفت مسعود إلى عامل المتجرقائلاً: أين أنا الآن يا سيدي
تناول الرجل سماعة الهاتف وبكلمات سريعة وصف العنوان للسائق ... أنتظر مسعود بالخارج لفتره ليست بالقصيرة قبل أن يصل العجوز ... فتح الباب بسرعة ورمى نفسه داخل السيارة وقال
إلى المستشفى أرجوك بسرعة لو سمحت
ماذا حدث لك وكيف خرجت منها
لا يهم لماذا وكيف الآن ... المهم أنني أعتقدت أنني كنت مع المجانين وأردت الخروج والعيش مع العاقلين فوجدت أن المجانين بالخارج والعقال يعيشون بالداخل
هز العجوز رأسه وكأنه يوافقه الرأي ومضى في طريقه خارج المدينة نحو المستشفى
وصل مسعود المستشفى ... نزل من سيارة العجوز مسرعاً دون أن يشكره فلم يستطع الإنتظار أكثر من ذلك ... دخل عبر البوابة ... وقف موظفوا الإستقبال ينظرون إليه بإستغراب فقد توقع معظمهم ألا يروه ثانية وإنه خرج بلا عوده ... لم يلتفت لأحد منهم ... مشى بخطى ثابته حتى وصل لمكتب الممرض ... دخل المكتب نظر إليه وقال
لو سمحت أنا بحاجة لرحيق الزهور
أنت يا مسعود
أرجوك لا تجعل الأمر أصعب عليّ أكثر مما هو ... أعطني مرادي لو سمحت
أخذ الحبات المهدئة رغم علمه بمفعولها ... تناولها وذهب لفراشه ... إستلقى ... أغمض عينيه وعلت وجهه إبتسامة طمأنينة ... وقال لنفسه بصوت خافت
لم أكن الوحيد العاقل هنا ... بل الوحيد المجنون ... والآن سأكون منكم

الاثنين، يوليو ٣١، ٢٠٠٦

إعتذار

أعتذر فليس هذا ما أردت نشره اليوم
ولكن بعد ما حدث لقانا أجد نفسي كلما مسكت القلم .. بكى قلمي على الصفحات وأبى أن يكمل

كتبت عن سمير مرة أخرى وكيف أن زاره عزرائيل ليقسم امامه لو أنه عاد بالزمن للوراء لما سجد لآدم لما يشاهده من بنيه ... وليكون له أن ينتقم كيفما شاء ... ممن يشاء

كتبت عن من يقول لنا أن سمير أكمل تعليمه خلف القضبان وكأنما يجب علي أن احيي هذا ... ولست أدري من أحيي السجين أم السجان ... المجرم أم المجرم

كتبت عند الطفل الذي ولد يوم أنسحب العدو من الجنوب وفرح اهله به وبالنصر وأسموه نصر تيمناً بالسيد الذي وعد بالنصر وأوفى بوعده ... ليوعد مرة أخرى بعودة كل سجين ... والنتيجه هي ... كتبت كيف قتل نصر في قانا بعد أن وُعد بالنصر

كتبت عن المقاتل المجاهد الذي لا يهمه في هذه الدنيا الموت في سبيل الهدف ولا يدين بالولاء إلا لله والحزب والسيد ... ويمكنك ترتيب تلك الولاءات كما ترى ... ولا وجود للوطن طبعا ضمن تلك

ولكني لم اكمل أي شيئ ... فكل شيئ نكتبه لا فائده منه ما لم نكتب عن أولاد القحبة ولا أستثني منهم أحدا ... هل هناك تخاذل أكبر من هذا ... من الممتع أن تنام في احضان مومس ... ولكن أما حان الوقت لتكتشف أنك انت المعهور به

شاهدت مظاهرة حاشده هذا الصباح في سورية تحمل اللافتات وتهدد بحرق أسرائيل من الطول للطول ومن العرض الى العرض ... إحدى تلك اللافتات تقول ... لن تركع أمه يقودها بشار الأسد ... لا أدري لماذا فكرت حينها أنها يجب أن تقرأ ... كس أخت هالأمه التي فيها مثل بشار الاسد ... ومن معه ... من أولاد القحبه ولا أستثني منهم أحدا

الثلاثاء، يوليو ٢٥، ٢٠٠٦

سفر

نظرت الي بغنجها المعهود وقالت بصوت لا يخلو من نزغه .. حدثني عن مغامراتك في السفر

أي مغامرات؟ أنا لا أعرف عما تتحدثين

حسناً ... لنفترض أنه لا توجد مغامرات ... حدثني عن أسفارك ... كم بلداً زرت؟

اسمعي يا سيدتي

حلوة سيدتي منك

أووف ... اسمعي يا جميلتي ... دائماً جميلتي تسكتك وتجعلك ملكي ... زرت حوالي الأربعين دولة ... أكثر من اللازم ببلد أو أثنين ... ربما علق بذهني نصف هذا العدد

ولماذا علق هذا النصف ... أراهن أن هناك أمرأه

وكيف لا يكون ... الم يقل نابوليون أبحث عن المرأة

أبتسمت وقالت ... ألله يستر .. أكمل

أول بلد أذكر زيارته هو العراق وبالتحديد البصرة حيث أخذنا والدي لزيارة أقارب لنا ... لم لأكن أعرف وقتها أننا لنا أقارب هناك حتى تلك الزيارة

أنا قلت البياض هذا أكيد مو أصلي ... طلع العرج من هناك

دعيني اقول ما سوف أقول دون أن نناقش هذه الحيثية لست ساعات قادمة

أووكي

الكثير من الشعب هنا اما جاء من العراق أو استوطن العراق لفترة أو تزاوج منهم ... ولكن كون المنتصر هو من يملك كتابة التاريخ كيفما شاء أصبحت فئة واحده من هؤلاء أصيله والباقي خس ... لنفترض ان من يملك زمام الأمور فارسي الأصل فيعلن أن من جاء من شيراز مثلاً هو الأصل والباقي مثلما أسلفت

خس ... ابتلشنا بالهيلق ... وهي تضحك

تموتين بالهيلق

لا ترد ... كالعادة

في البصره وفي ذاك المنزل كانت سمية ... فتاة في مثل عمري ... كنت في الثامنه من عمري على ما اعتقد ... كنا أطفال أبرياء لا هم لنا الا اللعب ... لم أحبها أو شيئ من هذا ولكن كم وددت لو أن والدي أخذنا هناك مرة أخرى ... الأطفال لا يحبون أو يكرهون فلم تتم برمجتهم بتلك العواطف بعد لكنهم يفضلون و سمية فضلتها على الكثيرين

وما أخبار سمية الآن؟

لا أدري ... أرجو الأ تسأليني عن أخبار كل فتاة احدثك عنها

وكم فتاة ستخبرني عن

بابتسامة خبيثة رددت .. لا أدري .. هل انتي مشغوله الست ساعات القادمة

يا كرهي ويا ملاقتي ... قالتها وهي تحرك شعرها الفاحم وتدسه تحت حجابها ... كدت أقول لها بالله عليك دعيه يهرب الي ... لقد مللت رسم وسمك في خيالي تارة بشعر قصير وتارة بشعر طويل ... آه من تلك الأخيره ... كم وددت لو أمد يدي وألمس شعرك ...

أين ذهبت ... قطعت علي حبل فكري

أنا مازلت هنا لم أبرح مكاني

أنت تعرف ما أقصد وبطل هبل

تعرفين ماذا يقتلني

ماذا؟

انك تعرفين انكِ هبلي وجنوني وكبريائي وخشوعي وصلاتي و

قاطعتني قائلة : انزين خلاص عاد ... كمل السالفه عن السفر ... كم دوله زرت؟

حسناً ... قلت وأنا أزفر بطريقة تدلع شخص محب يود أن يقول له حبيبه "لنكمل ما تود قوله" ولكنها لم تفعل ... هكذا هي تعرف كيف توقفني عند نفس الحد كل مرة

ماذا تريدين أن تعرفي ... فقط كم بلداً زرت؟ هذا سؤال ملغوم ... وكأني أرى من وراءه سبب أو شيئ ما قد يرتد علي يوما ما

وهل أنا من هذا النوع؟

أبتسمت دون رد فهذا سؤال ملغوم بشكل أكبر من سابقه فلا نعم تشفي غليل ولا كلمة لا تروي عليل ... لهذا قررت أن لا أرد وأنتظرت بضع ثوان وكأني أتأمل ما حولي وأرتشف رشفة من فنجان القهوة الوسط التي جلبها الجرسون قبل فتره .. وقلت

وانتي ماكو كلام حلو ... كله طراقات على قولة سوزان الأمريكية

Up one side down the other

ومن سوزان هذه

عندما نصل أمريكا سوف تعرفين

الله يستر ... كم سنة أمضيت هناك؟

فترة الدراسة فقط ... ست سنوات ونصف

الدراسة أربع سنوات ! مرة ثانية ألله يستر

المهم هذا مو موضوعنا ... من البلاد التي ظلت في بالي هي تشيكلوسفاكيا قبل الانفصال ... بصراحه لا أعرف أين كنت تحديداً بعد الانفصال ... تعرفين أن التشيك هو البلد الغني والسلوفاك هم الجزء الفقير ومع ذلك طلب السلوفاك الانفصال ضد رغبة التشيك وبعد الانفصال أحسوا أنهم ارتكبوا غلطة العمر و

عند جهينة الخبر اليقين

ماكو فايده ... أنا أعلم الجرسون أبرك

(ملاحظة ليس لها علاقة بالقصة ... يقول نزار الكأس العاشر أعماني ... لكنه لم يقل ماذا كان يشرب! ولماذا يعميني الكأس السادس)

في هذا البلد كانت أول قبله في حياتي ... شيئ غريب أن تضع ثغرك على ثغر شخص آخر بالكاد تعرفه! لم أعرف ما افعل ... ولكن جل تفكيري منصب على شيئ واحد .. أين والدي الآن؟ هل تعرفين ماذا كان ليفعل لو ضبطت بالجرم المشهود؟ أنا نفسي لا أعلم وحتى الآن لا أريد أن أعرف ماذا كان يمكن أن يفعل بي

يا جبان

تموتين بالجبان

لا ترد كالعاده

وانتي ... متى كانت أول قبلة لك؟

...

شلون يعني أعترافات من طرف واحد ... المهم لا أدري كم مره قبلتها أو قبلتني كله سيان الآن ... الأهم انني اصبحت بطل المدرسة في تلك السنة فالجميع كان يؤلف القصص لكني كنت الوحيد الذي كان يقول الحقيقه ولدي البرهان ... شيئ ما منها

و ما هو؟

آهو انتي وايد تسألين ... خلك ازقرتي يالحبيب

ياكرهي ويا ملاقتي

هذه قصة البلد الثاني في ذاكرتي ... قلتها وأنا أشير للجرسون واطلب رأس شيشة ثاني لأن الموضوع يبدوا طويلاً

أمريكا لنذهب الى أمريكا ... قالت بشغف

ألا تريدين بريطانيا العظمى أو روسيا

روسيا مرة وحده ... هل سافرت هناك حقاً أم ذهبت الى دبي

يا ملقي ويا كرهي

هيي هذه كلمتي مسويه عليها كوبي رايت وبعدين تنقال يا كرهي ويا ملاقتي مو العكس

حاضر ... المهم في روسيا علمتني جوليا أن الشعب الروسي خبير بشيئين أثنين لا ثالث لهما

وهم

الشطرنج والجنس

احمر وجهها ولم تعقب واستمريت انا ... وأكتشفت أنني لست خبير شطرنج .. قلتها وأنا أضحك وفي قلبي معنى كاللذي في قلب الشاعر

وطلعت خبير بالشيئ الثاني

يعني أمشي حالي ... ما أزكي نفسي لكن أقدر أن أقول أني عدت من روسيا أكثر فناً

لنذهب الى أمريكا

هل أزعجتك روسيا أم أن الحرب الباردة لم تنتهي في قاموسك؟ ... هل تدرين أن غورباتشوف بعد أن ساهم في دعم الديمقراطية وفكك الأتحاد السوفياتي حكم جورجيا وهي احدى الجمهوريات السابقة ل

وعند جهينة

خلاص ما راح أكمل ... يبا وين الجرسون اشرح له شوية سياسة

يا كرهي

ويا ملاقتي أدري ... المهم هناك المزيد من الدول في جعبتي ... أسبانيا مثلاً ... كيف أذكر أسبانيا بدون أن تخطر شواطئ برشلونة على بالي ... و كريستينا .. آه منك يا كريستينا

العرب مهووسون بالجنس كل قصصكم مليئة بالجنس

أولاً هذه ذكريات وليست قصص ... ثانياً لك كل الحق لتقولي هذا عندما أنشر هذا الكلام ... فحتى ذلك الحين دعيني أكمل

أكمل يا فيلسوف

أوكي ... في أمريكا قضيت أجمل سنين حياتي

قاطعتني قائلة ... وماذا عن لبنان

انا أكره هذا البلد

زرته

لا ولا أنوي زيارته ... ما لم اقله أن لبنان بلد ولا كل البلدان ... لم أجلس مع شخص لنتكلم عن السفر فلم يذكر لبنان ... ان ذكرت النساء .. حكوا لي عند جمالهن ... ان ذكرت الأسلوب والأتيكيت ... لا داعي للقول يكفي كلمة تكرم عينيك ... الطبيعة ... الفتوش ... القاورمة ... شيشة العصر مع الوايت واين ... المزات .. العرق ... الجبل ... البحر ... الشمال ... الجنوب ... الشويفات ... صيدا ... برمانا ... صور ... السوليدير ... وطبعاً بحمدون علشان أكون كويتي صج ... الشيعة والسنة والمسيحيين والموارنة والدروز ... السهرات على أنغام مايا نصري ... آه يا مايا ... لم أقل فيروز

because it is a given

وانتي ... يا من تحبين لبنان أكثر من كل شيئ ... تعشقين بلد ... ايعقل أن أغار من بلد ... انتي سبب كرهي للبنان ... طول سنون حياتي لم أتمنى أن يكون لدي ما لدى غيري ... لم اتمنى شيئ قط قبلك ... والآن أتمنى أن اكون بلد لتحبيني ربما مثل لبنان

أتدرين لماذا أجوب بك في ذكريات سفري؟ لأبتعد بك عن شواطئ حبك وربما ربما تقتربين مني ... رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة وخطوتي ربما مرت عن طريق أكثر من بلد

نظرت الي بعتب وقالت ... لبنان لا يحتاجك انت وأمثالك ... وسحبت حقيبة يدها الشانيل وقفزت من الكرسي ومشت ... لم تلتفت ولا نصف التفاته نحوي ... لم الحق بها لأني أعرف أنني لن افوز مالم ُأصبح حجر في جبل لبنان

بحبك يالبنان