الثلاثاء، ديسمبر ١١، ٢٠٠٧

رسائل لم ترسل - رسالة مدريد

هذه رسالة من رسائل كتبتها في أسفاري دون أن ارسلها لأحد






تركتها كما كتبتها في حينه دون تغيير









سوف انشر بعضاً منها كلما حان الوقت




.




.




مدريد 17 أكتوبر 2007














ملاكي







.







تعرفين أنني كثير السفر. وحيث انك تكونين معي بفكري أينما حللت. فلقد قررت أن أكون أنا معك أيضاً. سوف أكتب لك من كل بلد أحط فيه. فقط لأقول لك أنني اشتقت لك أكثر مما اشتقت اليك في البلد السابق. ولسوف أظل أفعل ذلك حتى أكتب لك ... أنني هنا بجانبك





أحلم بأنني أخط السطور وأنتي تقرأين ما أكتب أولاً بأول. تحطين رأسك على كتفي وتزاحمين عيني بين كلماتي وأنا أبتسم سعيد بهذا الزحام وانا من يكره الزحام وانتي تعرفين ذلك. ربما كان أساس كرهي للزحام هو زحام محبيك حولك. وربما لأنني أود أن أكون أنا وحدي بين يديك وأذنيك وخديك وعينيك لاثماً شفتيك. لا أكثر ... هل هذا كثير





.







يوم أمس كان طويلاً جداً. خرجت من منزلي في لندن في الصباح ولم أصل الى الفندق في سراقوسطة إلا بعد العاشرة مساء. فندق بسيط ذو ثلاث نجوم. وربما كان لصاحبه علاقه قوية مع أحد المسؤولين فأهداه نجمتين فوق النجمة الوحيدة التي يستحقها. فندق بارد جداً ولا أقصد برودة طقس. أثاثه أقل من بسيط. إضاءه خافته. أصوات سكارى بالخارج تضحك وتتشاجر بنفس الوقت. وفراش صلب احتجت قرصين من الحبوب المنومة فقط لأتمكن من النوم عليه






.





هذه ثاني مرة أزور فيها سراقوسطة ذات التعداد الأقل من المليون بقليل. في المرة السابقة تم تفجير نفس القطار الذي استقليته بعدها بيومين فقط من قبل اشخاص يريدون نشر الاسلام. كنت متوتراً وأنا اركب القطار هذه المرة بعد أن عادت لي الذكريات وكيف كان من الممكن ان أكون انا في ذلك القطار



.



ما بين المطارات والقطارات من مدريد الى هنا كنت قد وصلت لمرحلة الانهاك التام. أول ما فعلته بعد تغيير ملابسي هو تشغيل هاتفي النقال لأرى أن كنت قد تذكرتني برسالة قصيرة ... لاشئ







ثم جاء دور الشئ الثاني الذي أقوم به وهو قراءة كتاب كنت قد اهديتني اياه. هذه المرة كانت رواية بعنوان "تلك العتمة الباهرة" للطاهر بن جلون. كاتب مبدع لم أعرفه من قبل. وأجزم أنه لولاك لما عرفته ولما كنت قادراً أن اناقش أحد في الأدب العربي. لا أدري ما سر عشقك لكتاب المغرب العربي. هو عشق جميل أصبحت اشاطرك إياه. لا أنسى عندما كنت ذات مرة في باريس وكنت يومها أقرأ رواية لواسيني الأعرج. كانت السيدة العجوز التي تقوم بترتيب الغرف من أحد بلاد المغرب. لا يمكن أن اصف فرحتها بي عندما رأت غلاف الرواية. وعندما ذكرت بعض الأسماء المغاربية التي قرأت لها لمحت دمعة في عينيها. سألتها لماذا الدمع؟ قالت انها تذكرت كيف كانت تقرأ الروايات في مراهقتها في بلادها. أهديتها الرواية وأهدتني قبلة على خدي






أعود لرواية الطاهر. لست أدري ان كان لديك هدف من اهدائي تلك القصة والتي تدور حول رجل مكث في سجن ثمان عشر سنة ... هل يمكنني أن اقارن بين سجن حبك وسجن تزمامارت؟ ... باقي من الزمن ثمان سنوات وشهرين وثلاث أيام فيصبح العد كما في الرواية. بعد ذلك هو نال عفو ملكي. أما أنا يجب أن ينالني عفو ملائكي ولاشئ أقل من ذلك
.






هذه عادتي في السفر. دائماً احرص أن تكوني معي بطريقة أو بأخرى. وأكثر تلك الطرق هي رواية منك. كم أحب ذوقك. تهديني روايات لا تتعبني قراءتها ولكن ما يتعبني حقاً هو محاولة معرفة لماذا اخترتي تلك الرواية بالذات. أحس أنني عجينة طرية بين يديك تشكلينها كيفما شئتي. والغريب أنني سعيد بيديك حولي. ترى هل اشكلك بكتاباتي كما تشكلينني بقرآتي؟







.







هذا الصباح كنت على موعد مع الأجتماع الذي من أجله جئت. كان هناك سبعة أشخاص، أنا وستة آخرون. الستة الآخرين اما أسبان أو يتحدثون الأسبانية بطلاقة بحكم عيشهم هناك. أما أنا فلا أعرف إلا جملة واحدة وهي ... هذا غير مقبول إطلاقاً بالنسبة لي







استعملت هذه الجملة كثيراً من قبل معهم. لكنني اليوم لم أكن بمزاج لنقاش عربي أسباني. أكتشفت خصلة عربية بالأسبان وهي حبهم للنقاش الطويل الذي لا يؤدي لشئ. فقط أبداء وجهة نظر ثم الدفاع عنها بضراوة وسط تنكيل شديد من الآخرين. تصوري بعض تلك الاجتماعات تصل لثماني ساعات متواصلة في بعض الحالات. بلا مبالغة هناك أربع ساعات نقاش حول شرعية الكتالونيين في حكم الأقليم الذين يعيشون به وسياسة مدريد العاصمة تجاه السكان المحليين. وثم ينتقل الحوار بقدرة قادر جبار لكرة القدم ويبدء نقاش طويل حول من سيفوز باللقب ريال مدريد أم برشلونة؟ ومعظم هذه النقاشات تبدأ بالأنجليزية ثم تختفي تدريجياً ويتم استبدالها بالإسبانية فأجلس انظر لتعابير الوجوه وأبتسم لهذا ولذاك. حتى أمل فأضرب بيدي على الطاولة لأقول جملتي الوحيدة ليتم قفل باب النقاش. ربما عرفتي الآن لماذا تعلمت تلك الجملة الوحيدة







.







لا أدري لماذا لم أكترث اليوم لهذه النقاشات البيزنطية المتواصلة. بل على العكس من ذلك كلما انشغلوا بالحديث باللغة الاسبانية لم أقاطعهم. بل على العكس كنت أستمتع بذلك. فتلك كانت فرصتي لأسبح في خيال بحرك. كنتي معي في مدريد نجلس في احد المقاهي أنظر لعينيك فتبتسمي وتقولي لي كف عن هذا فلسنا مراهقين. نتجول في الأسواق ... يخرب بيتك فلقد اقنعتيني بطريقة أو بأخرى أن أشتري تلك الشنطة الغالية بمبلغ لا تقدر ميزلنيتي المتواضعة على تحمله. مبلغ لا ادري كيف دفعته. ثم تلك القبلة التي قلتي بها شكراً جعلت الثمن الذي دفعته للتو بخساً. قبلة تفتدي كل أموال العالم







.







كنتي معي حول طاولة الاجتماع وأنا أقول لك بالعربية "يلعن أبو الأسبان لنهرب من هنا" فتضحكين ثم ننسحب بهدوء دون أن يحسوا بنا وسط نقاشهم العاصف. نجري للخارج ونرمي أجسادنا بأول تاكسي أمامنا ونقول له خذنا إلى مكان تريده أنت فلا نعرف أين نريد أن نذهب بل لا يهم ما دمنا هنا بجانب بعضنا. تقتربين مني ونحن جالسين في المقعد الخلفي. ربما تودين أن تبوحي لي بشئ. أقترب منك وأنا ألاحظ سائق التاكسي يراقب حركتي بمرآته لكنني لا أبالي. أحس بشفتيك تعضان شفتي السفلى فألمس شفتي بأصابعي لأكتشف أنك لست معي وأنني مازلت في الإجتماع ... كل هذا في أحلامي وأنا أنظر للأسبان الستة وهم يتناظرون حول لاشئ. قاطعتهم بسؤال عمن كان يجلس في الكرسي الذي رأيتك تجلسين فيه قبل دقائق. نظروا لبعض مستغربين ومبتسمين وقالوا لا أحد هنا سوانا. قلت في نفسي بل لا أحد هنا سوى أنا وأنتي فقط







.







لم ينتهي الإجتماع إلا بعد ست ساعات من البدء في تمام التاسعة. طريق العودة كما هو طريق القدوم لكن بالعكس ... قطار ثم قطار ثم مطار فطائرة. نفس الشعور المتوتر الذي احسسته بالأمس عاد لي مرة أخرى. سوف أكون في لندن متأخراً بعض الشئ. ربما عندما أصل هناك وأشغل هاتفي تكون هناك رسالة منك







.







تعرفين أحلى رسالة منك هي "هل أشتقت إليَ؟" يا الهي كم تهزني تلك الكلمات الثلاث منك







.







هذه رسالة مني لك ... هل أشتقتي إليَ؟


.




الفرق الوحيد أنني أكتب رسائل لا ترسل







ورسائلك ترسل







وتصل إليَ







لكنك بخيلة جداً







.







أحبك يا بخيلة







.

أنا