الأحد، مارس ٠٧، ٢٠١٠

رسائل لم ترسل - رسالة نيويورك



ملاكي




أكتب هذه وأنا في نيويورك ... تلك المدينة المثيرة الصاخبة ذات الحياة المستمرة. مدينة أشبهها بالفتاة الجميلة المثيرة المتمكنة من فن الإغواء. تبرز مفاتنها بطريقه فاحشة. لا تبالي إن كان نهديها بارزين للعلن. تتحدث بصوت عالي وترقص أمام الجميع من غير خجل. تستعمل لغة يعف اللسان عن ذكرها وتعف الأذن عن سماعها. ربما تصرفاتها تخيف الكثير من الناضجين أو من يعتقدون أنهم ناضجين. الكثير جاؤوا ولم يتمكنوا منها. نساء يحلمن بالمجد. رجال يحلمون بالثراء. لكن تلك الفتاة المثيرة الصاخبة ما أن تتقرب إليها تجدها قد فتحت ذراعيها لك. تحضنك بحنان وتهمس بأذنك كعذراء خجلى. طرية، جميلة، رقيقة. تحاورك بذكاء وتجد فيها ما تشاء من متعة ومن العمل. من الغنى ومن الفقر. من الجمال ومن القبح. لسانها يرد عليك بشتى اللهجات واللغات. أحلام أصبحت واقعاً وأخرى تهدمت تحت قدميها. في مجلسها تجد الأمريكي والعربي واليهودي والروسي والكوبي بجانب الأبيض والأسود والأصفر والأحمر. تجد أن كل ما سبق وما تلى هو جزء مما هي. هذه نيويورك التي أعرفها




كنت مستلقي في فراشي والأنوار مطفأة. الساعة تقارب منتصف الليل. الثلوج تهطل بشدة في الخارج. أحدق في السقف الذي ورغم العتمة مازلت اتبين لونه الأبيض. ظهر لي وجهك الندي على السقف وكأنني أراك هنا أمامي. لم تكوني صورة جامدة بل كنت متحركة كاملة الأحاسيس. تبتسمين. تحركين خصلات من شعرك الكستنائي القصير سقطت بدون إستئذان على عينيك. تزيحيها لتظهر عينيك اللتين ترقدان أسفل سيفين. لك حركة مميزة ترفعين فيها احد السيفين مع نظرة يملئها تهكم من لاشئ. تقولين شيئاً لا أسمعه. تضعين حجابك على رأسك وترسلين لي قبله في الهواء




أتربع على سريري. ألتفت حولي علك تظهرين على حائط امامي. كعادتك معي ... تجذبيني نحوك حتى أقترب منك كما لم أقترب من قبل فقط لتختفي من أمام عيني. يمنعني كبريائي أن أسقط على ركبتي و أن أمد يدي لتأخذيها بيدك. أراك تمضين وأكاد أجزم ان هناك ابتسامة رضا على وجهك. كلما تعودت على الحياة من غيرك تظهرين ثانية فأعود مرة ثانية أتوسل اللقاء من غير كلام. لو أن علم الإرسال الحسي كان حقيقة لأصبحت من علمائه الفاشلين



لا أعلم كم مضى على حبي لك. لن أسألك نفس السؤال لأنني لا أعتقد أنك تبالين بحساب كم مضى. أراك تحتفلين بمناسبة مرور سنة على كذا وثلاث على كذا وربما ستة وهكذا تمضي المناسبات ولا أرى لي مكان بينها. أحاول أن اتصنع لك الأعذار. باتت أعذاري تتصنع لي أعذار شفقة بي



في كل علاقة حب هناك طرفان. لابد لأحدهما أن يكون كريماً جداً في إعطاء الحب بغير حدود. ولا بد للآخر أن يكون أناني جداً ليستقبل هذا الحب الطائل بغير حدود. لو كان الأثنين كريمان أو أنانيان كما تعلمنا في الفيزياء نجدهما يتنافران لأنهما متشبهان جداً. ألم تسمعي عن أن الإختلاف فضيلة. فكرت كثيراً في من انا بين الأثنين. كريم أم أناني
.
قررت في هذه العلاقة أن أكون الكريم
.
قررت في هذه العلاقة أن أكون الأناني

.

علاقات الحب بين البشر هي عبارة عن شعور متبادل أو شعور غير متبادل. متبادل حين تكون المشاعر متشابهة يبذل كل طرف ما بوسعه لتعريف الآخر بما يكنه له من حب أو عدمه (لاحظي كم أمقت إستعمال لفظ الكراهية). هناك أيضاً الحب من طرف واحد مثلما يحب طرف بينما الآخر يمقته وتلك مشكلة. وهناك أيضاً حب من طرف واحد عندما يحب طرف الآخر دون أن يبادله الآخر نفس درجة المشاعر وتلك مشكلة ... أما أنا فحبي لك عبارة عن حب من طرف آخر




ربما ليس من العدل أن أضع اللوم كله عليك. لا أعلم أن كنت قد فهمت هذا من كلامي. الحق يجب أن يقال بأنني في لحظات الخلوة مع النفس أجد الكثير من الاعذار لك. العمر، البيت، العمل، الحياة وتجاربها السخيفة كلها لها دورها في إنشغالك اليومي أو بعدك الإرادي ... وبعد هذا أطلب منك بكل أنانية مفرطة أن تكوني لي ... ربما تنطبق أغنية عبدالله الرويشد على الوضع. تلك الأغنية التي يقول فيها ... أنا ناقص حب ثاني أنجرح منه وأعاني


قبل يومين كنت في أحد المقاهي أتناول القهوة وإذا بالفتاة الجالسة بقربي تبدأ حديثاً معي. قالت لي أنني أشبه زوجها السابق الأمر الذي أصابني بداية بذعر من المقارنة. أكتشفت أنها فتاة فارسية تعيش هنا في نيويورك. فتاة في مقتبل العمر ذات جمال شرقي مميز. لازمتني يومين تناولنا خلالها غداء وعشاء وقهوة وشراب. قالت لي أنها تحب الرقص وأرادت أن آخذها لأحد المراقص. لاحت نظرة مني لمرآة بجانبي فرأيت رجل بدأ يهرم. رجل بدأ الشيب يغزو رأسه بلا هوادة. تجاعيد بدات تظهر بجانب عيني. جسدي الرياضي بدأ يذبل. جلدي لم يعد مشدوداً كما كان. وتلك المرأة الفارسية تحثني على الرقص. وجدت الأمر أكبر من طاقتي. أراها تنظر لشفتي برغبة. باحت لي بظنها أنها وجدت فارس أحلامها. رددت بأنني لست فارساً لأحلام أحد. بل أنني أكره الجياد. ولم أكن فارساً في شبابي فكيف وأنا في هذه السن. استأذنت الرحيل وسط ذهولها وأنا أردد ... أنا ناقص حب ثاني أنجرح منه وأعاني

سوف أعود الليلة إلى لندن. كوني جميلة كما أنتي دائماً



الأناني دائماً
أنا

هناك ٩ تعليقات:

Mohammad Al-Yousifi يقول...

انت مصك

:)

NewMe يقول...

بالديسار "اشتقت لهذا المكان"
كل فقرة
في حد ذاتها
تحمل زخما
من المشاعر والتصوير
وكالعادة
يرتدي الغموض ألفاظك
فيتوه القارئ في النص
ليجدك أنانيا بغيض
وحالما مبدع
حيث تصبح نيويورك
فتاة بارع
والسقف ينشق عن وجه حسناء
تأخذنا معك في رحلة عشوائية
تتباين فيها المشاعر وتضطرب
ونصل معك سالمين
إلى مطار لندن
عودا حميدا أيها الرجل الغريب
دمت بحب
تحياتي

غير معرف يقول...

شكرا ل نيو مي انها اطلقت في الهواء اشارات دخان ونبهتنا الى ان هناك من هو يعود ،،،من بين كل الراحلين هناك من جاء من الغياب،،

رغم ان (كلمات فقط)،، تتصدر قائمة الريدر في غوغل لكنه تجاهل عودتك ربما لانه لم يعد يثق بجدية العودة،،!!


قد لايهمك ان اعود مرة اخرى للنص وعادة لااحب القراءة مرتين ،،لكن لعلها نيويورك او ربما هي تلك الرائحة التي نستحضرها لأيام لم تعد موجودة الا في الذاكرة وتأتي بصحبة وجوه عرفناها في نفس الفترة...

ربما اعود واقول ،،،

،،،

بكل الاحوال حمدلله على سلامتك

ونورت لندن رغم الغيم



عذبة

illusionist يقول...

amazing :)

بالديسار يقول...

آسف لعدم الرد على التعليقات حتى الآن

مطقوق

كنت ألعب حديد بصالة نادي العربي اللي تحت المدرجات على الرغم من إني ما احب العربي
تعتقد مازلت مصك بعينك
:)

بالديسار يقول...

العزيزة نيو

ياريت اقدر اكتب كلمات بروعة كلماتك

انتي اشتقتي لهذا المكان
وأنا اشتقت لرؤيتك هنا

بالديسار يقول...

عذبة

تجاهل غوغل لي يعكس تجاهلي للحياة
سوف أحاول ان اعود للحياة
كلماتك تعيد الروح لوردة ذبلت
فما بالك بي

شكراً لعودتك هنا

بالديسار يقول...

illusionist

كلمة واحدة تعني الكثير هنا
شكراً لمرورك

rooowy يقول...

تحيه لقلمك و قلبك فيما بعد..
جميل هو هذا التناقض بين المحبين كرم و أنانية
سأقرأ المزيد..