الخميس، سبتمبر ٢٨، ٢٠٠٦

تحت الصمت

1

البارحة بعد أن ضاجعت زوجتي، ذهبت هي لتغتسل وظللت في الفراش مستلقياً على ظهري عاري الجسد تماماً في الظلمة العاتمة. أحسست أنني بحاجة إلى سيجارة لأدخنها. مددت يدي إلى المنضدة بجانب السرير أتحسس طريقي بأصابعي لكن لاشيئ. لم أجد شيئاً وعندها فقط تذكرت أنني قد توقفت عن التدخين. لا أدري لماذا ينتابني هذا الشعور بالرغبة بالتدخين كل فترة

فجأة أحسست بنسمة هواء باردة لفحت جسدي العاري وأنسدل باب الغرفة فاتحاً. يبدو أن زوجتي لم تحكم إغلاقه وهي ذاهبة إلى الحمام. رفعت نظري نحو الباب وهيئ لي أن هناك شخصاً واقف ينظر إليّ. دققت النظر وأنا أشعر بأطرافي تنقبض من هول ما هيئ لي أنني أراه. تأكد لي أن هناك شخصاً وأكاد أجزم أن هذا الشخص ليس بزوجتي فهي بدينة بعض الشيئ وهذا الذي يقف هناك كان أنحف منها بالشيئ الكثير. بدأ هذا الشخص بالمشي نحوي وأحسست بقشعريرة قوية تجتاح جسدي من رأسي إلى أخمص قدمي. كانت عيناي قد تعودتا على الظلام لكنني مازلت لا أستطيع أن أتبين شخصية المجهول دون نظاراتي التي لم تكن بجانبي كالعادة. بدأ جسدي يرتجف من خوف غزاه دون إنذار. أقترب هذا المجهول أكثر حتى أصبح ينظر إلي وهو واقف بجانب سريري مباشرة. إن الدهشة والرعب و المفاجأة قد أعقدوا لساني فلم أستطع أن أنطق أو أتحرك. وما زاد الأمر رهبة تلك النسمة الباردة التي ملئت علي مضجعي ولم تفارق المكان. نظرت إلى المجهول وإذا به إمرأة لكنني لم لأتبين ملامحها حتى إقتربت من وجهي وأطبقت بيدها على عنقي. كانت يداها ذات ملمس خشن وكأنها يدا رجل يعمل في البناء. إقتربت من وجهي أكثر حتى أحسست بنفسها يرتطم بوجهي وهمست بأذني كلمات لا زلت أفكر بها وأخاف من مجرد التفكير فيها. قالت لي ... تباً لك ... إلى متى أنتظرك

2

أكتب تلك السطور الآن وقد أصبح الصباح علينا. فتحت عيني فوجدت نفسي في فراشي وزوجتي بجانبي. نظرت إلى جسدي العاري فوجدتني لابساً لباس النوم. لا أتذكر أي شيئ غير تلك المرأة ولا شيئ بعد ذلك. أيقظت زوجتي من نومها لأسئلها عما حدث البارحة بعد أن ذهبت هي لتغتسل. لم تفهم ماذا كنت أقصد. لم أشأ أن أُخيفها بقصتي لكني توسلت إليها أن تعيد علي ما حدث. نظرت إلي بنظرة مملوءة بالشك وعدم الإستيعاب. رجوتها أن تقول لي ما حدث بالتفصيل دون أن تنسى أي شيئ وإن كانت لا تعتقد بأهميته في نظرها

قالت لي أنها ذهبت لتغتسل ثم جاءت وفتحت الباب وسألتني أن كنت أود الإغتسال. قاطعتها سائلاً إن كانت متأكدة من أن الباب كان مغلقاً أجابت بالموافقة. قالت أنني أجبتها بنعم للإغتسال وقمت وإغتسلت ثم وضعت ملابس النوم ودخلت فراشي بعد أن تمنيت لها ليلة سعيدة

لم أصدق ما سمعت. سألتها أن تعيد التفاصيل مرة أخرى. أعادتها علي وهي تسألني عن السبب وأشير لها بعدم المقاطعة وأن تجيب على تساؤلاتي فقط. بدأت تشعر بالحيرة وشعرت بأنني إذا إستمريت بالسؤال سوف تشعر بريب فآثرت أن أتركها وشأنها

جلست أفكر فيما قالت. الباب موصد وهي من فتحه. ما معنى هذا وأنا شاهدته يُفتح ونسمة الهواء الباردة تحف جسدي. كيف لا أتذكر أي شيئ آخر. مددت يدي بجانب المكتب لآخذ سيجارة من العلبة. تذكرت أنني أقلعت عن التدخين. ألم يحدث هذا البارحة أيضاً؟

أحداث البارحة هي الشيئ الوحيد الذي في خاطري الآن. فكرت في تلك الكلمات وتلك المرأة. لقد زارتني هي بعينها في حلمي لثلاث ليال متفرقة في السابق. الفرق الوحيد أنها لم تقل أي شيئ. هي فقط نظرت إليَّ تلك النظرة العميقة التي إخترقتني. وجدت نفسي أفيق من النوم وأنا غارق في عرقي على الرغم من برودة الطقس. من أنتي؟ و ماذا تريدين مني؟

القلم يرجف في يدي خوفاً. لا أستطيع الكتابة أكثر لكني يجب أن أستمر في كتابة جميع تلك التفاصيل. لا أدري لمن أقول ما حدث فمن سيصدق مثل تلك الرواية! وهل من الممكن أن تكون فقط رواية أو حلم؟ ربما جائتني بحلم حلمته بعد أن إغتسلت ولبست ملابسي. ربما يكون منزلي مسكون بأحد الجان الذين يريدوننا أن ندع لهم المنزل بسلام. هل من المعقول أن أفكر هكذا وأنا الرجل المتعلم؟ ولماذا لم يأتي لأحد غيري في المنزل؟ أريد سيجارة الآن. ربما حان الوقت لأترك هذا الهراء خلفي. " تباً لك إلى متى أنتظرك" ... كلما تذكرت تلك الكلمات رجعت لي القشعريرة ذاتها وأسبغت جسدي بالحبيبات من فروة رأسي إلى قدمي ... أنا خائف


3

حان المساء وزوجتي تنتظرني في الفراش وأنا جالس في غرفة المكتب أكتب هذه السطور. لا أريد أن أنام. فلست مستعداً أن أغمض عيني وأرى تلك المرأة ثانية. الخوف من النوم بدأ يتغلب على فكري. زوجتي تناديني. قلت لها أن تدعني وشأني وأن تنام قبلي إن شائت. رضخت في النهاية على غير عادتها فهي عنيدة بطبعها منذ تزوجنا قبل سنين عديدة

لا أزال لا أجد تفسيراً لما حدث البارحة. تلك الكلمات لا تزال ترن في إذني كأني أسمعها الآن وأنا أكتب. أيمكن أن يكون حلماً كالذي حلمته من قبل. لقد مرت عليَّ أحلام بالسابق على جانب كبير من الواقعية لدرجة أنني تساءلت بين نفسي ونفسي إن كان هذا حقيقة أم خيال. ولكن ما يقلقني من هذا التفسير هو ما حدث لي في فراشي وكوني لا أتذكر شيئاً منه

شيئ غريب يحدث الآن. خيل لي أنني رأيت شخصاً في الصالة المجاورة لغرفة المكتب. ذهبت لأستطلع الأمر فلم أجد أحداً. أحسست بنفس لفحة الهواء الباردة كالتي مرت علي البارحة. عُدت للمكتب لأكتب فوجدتها هنا تجلس على إحدى الآرائك بجانب المكتب. تنظر إلي بتلك النظرة ذاتها. تجاهلتها وجلست أكتب ما حصل. يدي ترجف من الخوف ولا أقدر أن أرفع عيني خوفاً أن تلتقي بتلك الأعين المرعبة. أنها تسألني ما أكتب. لم أرد عليها. سألتني ثانية. يا إلهي ماذا تريدين مني؟ لم أجب عليها للمرة الثانية. تريد أن تعرف ماذا أكتب. لن أرد عليها. إنتصبت واقفة وتقدمت مني. إقتربت أكثر حتى أصبحت بجانبي. مدت يدها لتزيح يدي. تريد أن تقرأ ما أكتبه. دفعتها بقوة وأنا ما زلت أكتب ... إنها تحاول أن تخطف القلم وتمنعني من مواصلة الكتاب ..و ل ..ن ..ي ..س س س ... كانت تصارعني وتحاول إيقافي عن الكتابة و لكني دفعتها بكل ما أوتيت من قوة فوقفت مذهولة ثم عاجلتها بدفعه أخرى إلى خارج المكتب وقفلت الباب بالمفتاح. إنها تطرق الباب بشدة. سوف توقظ زوجتي لا محالة. هل ستكون زوجتي في خطر. لا أعتقد فهي تريدني أنا فقط. اللعنة لماذا تريدني أن أتوقف عن الكتابة ... ربما كانت تريد إخباري بشيئ. لست أدري ولا أريد أن أعرف الآن. أريد سيجارة الآن

4

أصبح الصباح علي وأنا وازلت في مكاني خلف المكتب. أعتقد أنني قد غفوت لبعض الوقت. أُحس بجسدي وعظامي متيبسة من النوم جالساً على الكرسي طوال الليل. إستلقيت على الأرض على ظهري لخمس دقائق حتى عاد الشعور إلى رجليّ. لم يحدث شيئ إثناء الليل. ربما دفعتها بقوة لم تكن في حسبانها فقررت تركي و شأني. سوف أذهب لفراشي فور أن أكتب هذه الكلمات. . لعلي الآن أنام مرتاحاً فلم يحدث أن أتت في منام غير منام الليل. زوجتي مازالت نائمة. لن أوقيظها لعلها بحاجة إلى بعض الراحة. سوف أدعها وشأنها فلست بحاجه لها لتسألني لماذا بقيت طوال الليل في مكتبي. سوف أذهب للنوم الآن فور أن أدخن السيجارة. تباً لليوم الذي قررت فيه أن أُقلع عن التدخين. لا يهم الآن. لست خائفاً وهذا أهم من أي شيئ الآن. ولكن هل يجب أن أترك المكتب؟ أشعر بالأمان هنا وقد نجحت في إخراجها بالقوة. سوف أنتظر حتى تفيق زوجتي من نومها وأطلب منها أن تأتيني ببعض الطعام وتضعه بجانب الباب وسوف آخذه متى ما أحسست أن الوقت ملائم


5

جاء المساء مرة أخرى. كانت زوجتي متضايقة جداً من تصرفاتي. لم تستسغ فكرة مخاطبتي من وراء الباب المغلق لكنني لم أتنازل وظللت طوال الوقت داخل المكتب. والآن أنا وحدي هنا بعد أن هدأت الأصوات بالبيت. بدأت أشعر ببعض الخوف يتسلل إلى جانبي ببطئ لكنه بطئ فعاّل. جائت لي في فكري مرة أخرى. هل سوف تعود ثانيةً الليلة ربما لتنتقم. لا أدري لكني سوف أظل متيقظاً لأي حركة أو صوت يصدر من أي مكان في المنزل

لا أدرى كم مضى من الوقت لكني تعبٌ جداً ولا أقدر أن أستمر في يقظتي أكثر من ذلك. يا إلهي لقد شعرت بتلك البرودة مرة أخرى. تلك البرودة التي تأتي هي بعدها. أنا خائف من غضبها. هل جائت لتنتقم. هل أفيق زوجتي من نومها لترى بأم عينها تلك المرأة. لا أقدر أن أتحرك. كل جسدي مشلول ما عدا يدي التي تمسك القلم وتكتب. أشعر بها حولي لكني لا أراها. أحس بأنفاسها تقترب مني. أحس بوجودها قربي

من وراء زاوية باب المكتب ظهرت فجأة وكأنها كانت معي طوال الوقت. بنفس النظرة المورعة. بنفس الشعر المنكوش. أراها ببشرة شاحبة. وعيون بيضاء جاحظة. وأسنان صفراء. كم هي كريهة المنظر الليلة. لم تختلف عما كانت عليه سابقاً لكنها المرة الأولى التي أتمعن فيها بشكلها. أقتربت أكثر حتى وصلت إلي. أوطئت رقبتها وقرَّبت لوجهي حتى أصبح نفسها يرتطم بوجهي تماماً كما حدث في فراشي. لا أريد النظر. أنا مستمر بالكتابة رغم قربها مني. مسكت رقبتي بيدها وأطبقت بالأخرى عليها.أكاد لا أقوى على التنفس. همست بأذني "لن تفلت مني" توقفت عن الكتابة ورفعت رأسي وقلت بصوت خافت "ماذا تريدين مني" لم ترد على تساؤلي. مسكت القلم وكتبت ما جرى. لا زالت يديها مطبقتين على رقبتي. قالت لي " بيدك ثلاث خيارات ... إما أن تأتي معي وتكون لي وإما ان تنظم لعشيرتي فتكون منا فأتركك لحالك أو أقتل واحداً من أهلك كل أربعين يوماً وسأبدأ بأبنائك" ... ماذا تعني بحق الأنبياء... من هي ومن هي عشيرتها؟
وضعت القلم جانباً وسئلتها ماذا تعني بأن أكون لها ومن هي ومن عشيرتها. قالت وهي تحرك أصابعها من رقبتي لتمررها خلال شعري أنها من الجن وأنها عشقتني ولن تتركني إلى أن أكون لها. سألتها عما تقصده بأن أكون لها. قالت أنه ليس من شأني أن أعرف. سألتها وماذا عن الخيار الآخر. قالت أنها أشفقت علي من حبها ولم تود أن تراني مقتولاً على يدها لذلك أعطتني هذا الخيار ولولا حبها لي لكانت قتلتني على الفور. توقفت عن اللعب بشعري وشدته بقوة جعلتني أُطلق صرخة مكتومة وقالت: لديك حتى السادسة صباحاً لتقرر أي الخيارات تريد ... وكيف أكون منكم وأنا من البشر ... قالت لي أنه يجب أن أتخلى عن حياة البشر لأنظم إليها وعشيرتها برمي نفسي من أعلى نقطة في المنزل ... من سطح المنزل ... أنتحر ... سوف أموت وبلاشك. إبتسمت وقالت "لن تموت بل ستعبر إلى حياتي وحياة بني جنسي من بني جنسك ... سوف لن تكون إنسياً بعد ذلك" ... قالت هذا وإختفت كما ظهرت ... فجأة


6

ماذا أفعل. هذا كثير علي. أين زوجتي لأشرح لها ما حصل. لا يمكنني ذلك فتلك المرأة حذرتني من البوح لأي كان بما حدث وإلا سوف تكون العاقبة كبيرة على الجميع. أريد سيجارة الآن. من هي ولماذا أنا. ماذا أفعل الآن. لقد سألت نفسي نفس السؤال قبل ثوان. هل أنتقل إلى حياة اللا بشر أم أموت بيدها هي. لماذا قرار حياتي ومماتي وممات عائلتي أصبح بيدي أمرأة ليست من البشر. لا أستطيع التفكير ولا أستطيع التوقف عن الكتابة. كيف يمكن يمكن أن تختار أن تنتحر لتعيش أو تعيش لتموت؟ كيف يمكن لموت أن يكون عيشاً وعيشاً هو موت؟ أليس الموت هو الموت سواء عشت أو مت؟ أفكر في أبنائي الذين لا ذنب لهم فيما يحدث ... سيعلمون يوماً ما أنني فعلت كل ما بوسعي في سبيلهم

7

الساعة السادسة إلا ربع الساعة. لم يبقي لدي إلا القليل من الوقت لأتخذ قراري. جلست الساعات السابقة أبكي بدموع غزيرة. لا أدري ماذا كنت أبكي. هل هي حياتي أم زوجتي أم ماذا. إبتل الورق من دمعي وسال الحبر من على الأسطر التي سطرتها قبل ذلك. هل من المعقول أن يطلب من أحد أن يختار بين ممات و ممات؟ اليس الأثنين بنفس القدر من العذاب ... ليس أمامي من سبيل سوى أن أموت ليعيش عيالي ... لتعيش زوجتي ... وربما لأعيش أنا

جائتني قبل قليل مرة أخرى لتعرف جوابي وقراري ... أخبرتها أنني لا أستطيع أن أكون ملك لها ولا أستطيع أن أقتل عائلتي بيدي فهذا كثير علي. وعليه أخبرتها بأنني قررت أن أكون من بني جنسها وأنظم لعشيرتها. لم تبدي أي ردة فعل وكأنما كانت متوقعة أن يكون هذا ردي ... قالت لي سوف أنتظرك في الطرف الآخر ... إقتربت مني وطبعت قبله على خدي المبلل بدموعي

8

أنا على سطح العمارة الآن. الجو ماطر. ماء المطر بدأ يطمس ما أكتبه أولاً بأول لكنني لن أقف عن الكتابة حتى تلك اللحظة. ما هي إلا لحظات و سأكون من بني الجان. ما هي إلا لحظات و سأكون خفياً. ما هي إلا لحظات و سأكون من نار وليس من طين. يدي ترجف ورجلي لا تكاد تقوى على حملي. أشعر كالرجل الذي يساق للمقصلة ... وكيف لا وأنا ذاهب برجلي لمقصلتي ... أنا خائف جداً

سوف أمسك قلمي بيدي اليمنى وأوراقي بيدي اليسرى و أتسلق الجدار إلى أعلى نقطة و أرمي نفسي من هناك. ربما وجد أحد تلك الوريقات فأرجو أن يقل لزوجتي وعيالي وداعاً و أنني أحبهم حباً جما. وأنني فعلت ما فعلته حتى أحميهم و كان هذا هو السبيل الوحيد بأن أُضحي بنفسي من أجلهم... الوداع

9

في صبيحة اليوم التالي نشر هذا الخبر في جريدة السلام في صفحة الحوادث

أقدم رجل في العقد الرابع من العمر على الإنتحار برمي نفسه من سطح العمارة التي يقطن بها في أحد أحياء ضواحي العاصمة. وقال شهود عيان أن الرجل رمى نفسه وهو ممسكاً بأوراق تطايرت في الهواء في كل مكان. وقالت مصادر من الشرطة أن تلك الأوراق كانت غير قابلة للقراءة كون مياه الأمطار أمس مسحت ماكان مكتوباً بها. ويعتقد المصدر أنه ربما كانت هي وصية الرجل التي يشرح فيها أسباب قيامه بالإنتحار.

وقام محرر الصفحة بالإتصال بزوجة المنتحر التي أفادت أن زوجها يعاني من إضطرابات عصبية وأنه يعالج منذ فترة من إكتئابات ويتعاطى العديد من الأدوية التي يمكن أن تكون لها أعراض جانبية حسب ما قاله الأطباء المعالجين. وقالت أنه كان يتصرف بصورة غريبة في الأيام الثلاث الماضية حيث كان يكتب بإستمرار ولا يرد عليها عندما تكلمه. وعندما حاولت أن تعرف ماذا يكتب بأن مسكت الأوراق والقلم تصرف بصورة عنيفة وقام بدفعها وطردها من المكتب الذي ظل حابساً نفسه فيه حتى أقدم على الإنتحار صباح أمس. ولا يزال التحقيق مستمراً

إنتهى الخبر

الاثنين، سبتمبر ١٨، ٢٠٠٦

الثور - الجزء الثاني




لأنه لا داعي للشرف أحياناً ... إلا نبيذي

لم أقصد أن أتركك تعاني أو تخمن ما قد حدث طوال تلك الفترة، ولكن لا تجري الأمور كما تشتهي السفن أحياناً ... أليس هذا ما كنت تقوله لي بإستمرار ... يا قبطان حياتي ... إستعد لعاصفة هوجاء قد تجمح سفنك بعدها بغير هدى لمسافات وأيام ... ألم يقل المثل، وأنت خير من يعرف الأمثال لكونك صاحب الأصل والفصل، ألم يقل ما تزرع تحصد ... أنت زرعت ولسوف تحصد ما زرعته يداك ... آه كم كنت أموت في يداك ... لاحظ الفعل الماضي في كلامي فليس هناك حاضر أو مضارع أو مستقبل في قاموسي بعد الآن ... أنت وأهلك ... وإيمان طبعاً ... ليس لكم سوى الماضي في عقلي وعاطفتي ... وذاكرتي

حبيبي ... هل أجرؤ على أن أقول حبيبي ... أرجو أن تقبلها مني في سبيل العشرة التي جمعتنا يوما ما على الأقل ... أخبرتك في رسالتي السابقة عن إكتشافي لك وإيمان في سريري. والآن سوف تعرف مني كيف تنتقم المرأة ممن يسيئ لها ... أعترف إنني وقتها فكرت كثيراً بأن أنتقم منك ومنها بالقتل أو ما شابه ... وأصدقك القول أن الفكرة تلك راودتني تلك الليلة ولكن هل يمكن لأحد أن ينصفني! ألست أنت الرجل وأنا مازلت المرأة؟ أمازال الشرع والقانون والعرف والتقاليد البالية تعطيك الحق بقتلي إذا وجدتني في نفس الفراش مع رجل آخر لأنك تصرفت كبطل في حق من حاول تلطيخ عرضك وشرفك ... ولكن ماذا لو فعلت أنا ذات الشيئ؟ أليس من سوف يظهر من أهلك أو أهلها ليقول أنكما كنتما زوجين على شرع الخالق حتى وإن لم يكن هناك إثبات! فهناك دائماً طريقة لإثبات البراءة بتسمية مختلفة ... سمها كما شئت ... عرفي ... متعة ... مسيار ... في النهاية أنا من سوف يدفع الثمن وليس أنت. أنا من سيكون الجاني وأنت الضحية. تخيل إنك أنت الضحية. القاتل يصبح في العرف والقانون ضحية بينما الضحية من أريق دمها وأنتهك عرضها تصبح الجاني

عموماً كان هذا في الماضي وأنا بنت اليوم كما يقال. لم أفكر في إنتقام أسمى ولا أزهى من شريعة حمورابي الرافدين ... فعيني بعينك وسني بسنك وأنت من إبتدى وإنك الأظلم. ألم تقتات شهوتك على صديقة عمري؟ إذا فلسوف تقتات شهوتي على أصحابك ... ولسوف تبدأ بمن تحب وتقدر أكثر. ألم يكن سعد أحد أحب أصدقائك؟ ألم يكن هو من تربيت معه؟ ألم تثق به ليحفظ سرك؟ أعرف أن جوابك كان نعم لكل سؤال طرحته عليك. إذن فكر ثانياً فسعد كان أول من إستقبلته في فراشي بعدك ... و أقول أول لأن هناك العديد ... قد أخبرك عن البعض ولسوف أبقي البعض لنفسي ... ربما لغرض في نفس يعقوب أو أحد الأنبياء ... لا يهم الآن المهم السبب

لن أقول لك كيف جاء سعد لفراشي ... ولكني سوف أقول لك ما حدث في الفراش ... أتدري لماذا؟ لأنني لست كباقي النساء
جائني سعد وكله شبق مسبق ... يبدو أنه كان يتمناني منذ فترة ... أوهكذا قال، لا يهم فلم يكن هو في خاطري ولم أكن مستعدة لإشباعه ... كنت بحاجة فقط لجعلك تندم على فعلك و أعترف لك بذلك ... ولكن قبل أن يأخذك الغرور بعيداً أرجو أن تقرأ تلك الجملة ثانيةً فأنا قلت كنت بحاجة لجعلك تندم ولكن كانت تلك البداية ... لم يكن سعد بالمحب الذي تمنيت لكنه كان أسهل الجميع. لم تخطئ عيناي تفسير نظراته لي كلما جاء لزيارتك. كان يعريني بعينيه وأنا أمشي أمامه ... كنت أرى أنه يشتهيني ... كنت أراه مقززاً بذقنه المتناثرة ولباسه الغير مهندم. إستقبلته في فراشي عندما كنت في سفرية مستعجلة للعمل كما إدعيت وعلمت بعدها منه إنك كنت مع إحداهن في إجازة سريعة. جاء لي وهو غير مرتبك وكانما كان يعرف أنه سوف يحصل عما جاء من أجله. وكيف له ألايظن ذلك وقد دعوته بنفسي بعد أن شرحت له إنك لست بالبلاد. أتدري ما حدث تلك الليلة .. ولا أظنك تريد أن تعرف ذلك الآن ... لكني سوف أقولها لك رُغماً عنك وإن شئت فلا تقرأ ... أعرف إنك مازلت تقرأ ولهذا سأُكمل ... قلت له حينها أنني كنت في حاجة إليه وإنني همت به منذ أن وطئت عيني عيناه وصدق المسكين ... وأكون صادقة بأنه لم يبخل عليّ بشيئ تلك الليلة. أتعرف أنه ملم بكل ما تتمناه كل إمرأة! نعم هذا السعد الغير منطقي الصلف الجلف كما كنت تصفه أنت ... أُقر و أعترف أنني لم أصل إلى قمة الشهوة مع أحد مثلما وصلتها مع سعد ... لم يُبقي فاصلة في جسدي إلا وكان لسانه قد أحكم تغطيتها بإحكام ... لم تبقى همزة أو لمزة لم يكشف سرها ... كم أنا سعيدة بإختيارك له ليكون صديق عمرك ... ألمحت له بعلمك بمدى رغبتي به وإنك لم تنزعج أو تبدي أي رد فعل ... ضحك وقتها الصلف الجلف ونعتك بالرجل الديوث ... أعجبني الوصف وقررت أن أقول لكل من قابلت بعد ذلك أنك تدري عما أفعل ... وخصوصاً أصدقائك ... كم كنت سعيدة وأنا أخترق أصحابك الواحد تلو الآخر

ما بدأته كرغبة في الإنتقام سرعان ما أصبح جزء لا أستغني عنه في حياتي فلا أستطيع أن أعيش دون رجل يمدني بما أحتاج إليه ولا أجده فيك ... وهو كثير. أعرف أن ما فعلته خطأ ... لكنك رجل وكل الرجال خطايا ... و أنت الخطيئة الكبرى يا عزيزي ... لم أتخيل نفسي يوماً بحاجة إلى كل هؤلاء الرجال لكنك أنت السبب في ما وصلت إليه مما لا أجد وصفاً أدق من كلمة إدمان على كل رجل تشتهيه نفسي ... على كلِّ سوف لأترك تلك الأمور المتعلق فيني لعلمي أنها ليست ذات أهمية لوغد أناني مثلك

هشام كان مختلفاً عن الجميع ... ربما سوف أُخبرك عنه في وقت لاحق ... أين كنت ... وجاء أبو سالم ... تعرفه بلا شك! وكيف لا هو رئيسك بالعمل ... سمعتك تتكلم عنه بإستمرار أمامي ولم أعره أي إهتمام حتى جاء اليوم الذي زرتك فيه في مقر عملك ... لم تكن موجوداً حينها وصادفته هو عند المدخل ... عرفته بنفسي وعرفني بنفسه ثم دعني لتناول القهوة في مكتبه ... كنت أعرف ماذا يعني بالقهوة فنظرته وعينيه لم يتنازلا عن التحديق في صدري ,,, وكدت أضحك وهو يحاول مدارات تلك النظرات ... هؤلاء العواجيز كلهم سواء ... لا يريدون الإعتراف بأن القطار قد ترك المحطة منذ زمن وأن زمنهم قد ولى ... بعد القهوة بأيام إتصلت به لأشكره على كرم ظيافته ولطفه ... وما هي إلا بضع كلمات حتى كان قد ضرب موعداً معي ... المسكين لم يكن مصدقاً نفسه ... يا عزيزي كل الرجال مساكين لو يعلمون ولكنهم لا يعلمون ومن الأفضل أن تظل أنت وبني جنسك هكذا. لن أطيل عليك فلم يلبث طويلاً قبل أن يكون هو أيضاً في فراشي ... أضحكني العجوز وهو يحاول إعادة الشباب الذي ولى بغير عودة وأضحكتني أكثر الموسيقى التي وضعها ليجعل الجو رومانسي ... ولكن اتعرف ما أضحكني حقاً ... أنت عندما عدت لي بعدها بأيام فرحاً بترقيتك التي أسبغها عليك أبو سالم دون أن تعرف الثمن الذي تم دفعه نقداً! لقد طلبت منه أن يمنحك تلك الترقية وأخبرته إنك تعلم بوجودي معه وإنك أنت من رتب لهذا الموعد ... لا أدري لماذا قلت ما قلته لكنه لم يستغرب فعلك! ترى لماذا؟ أتراه يعرف شيئاً لا أعرفه؟ ضحكنا كثيراً عندما بدون شعور نعتك بالثور ... وإعترف لي بأنه سوف لن يراك بغير صورة الثور في باله بعد اليوم

هل تعرف من هو الرجل الذي لايمكن نعته بالديوث؟ خالد زوج شقيقتك ... هذا الرجل الغيور ذو الشك العظيم في كل شيئ. لا أخفيك سراً عندما أقول لك إنه كان يمقتني وشعوره كان متبادلاً مع شعوري ... لا أدري لماذا لكن أعتقد أن للموضوع علاقه بتسلطه على شقيقتك ... ليس هذا موضوعنا الآن ... على الأقل ليس هو بل هي و أعني بهي شقيقتك ... هل تعلم أنني أوصلتها بنفسي إلى منزل صديقها الذي قمت بتقديمها أنا إليه ... نعم فعلت ذلك ولا أُخفيك كم كانت متعتي وأنا أفعل ذلك ... أتذكر كم كنت تسترسل بالحديث عن أصلك وشرفك ... لا تنظر بعيداً يا حبيبي كل ما عليك فعله هو ان تنظر في أهلك ولسوف ترى العجب العجاب ... ألم أقل لك أن والدي لم يحبك أنت وأهلك ... كان ذو نظرة عميقة والدي ... وأنا كلي فخر أن أكون وسيلة لدمار أهلك ... ترى ماذا سيكون رد فعل خالد الشكّاك حين يعلم؟ لا داعي للتفكير لأنني سوف أعمل كل ما بوسعي لإظهار الحقيقة له ... ألست أنا جزء من العائلة ويجب علي كفرد فيها أن أعمل للمحافظة على شرفها ... وأيها شرف يا ذو الشرف المصون

أما هشام فلم يكن شكاكاً بل على العكس من ذلك ... ربما قلت لك المزيد عنه عندما يحين الوقت ... عزيزي لن أطيل عليك ... لكنني سأخبرك عن شخص آخر تعرفه ... علي ... نعم شريكك بالمعرض ... هل تريد أن أكمل ... لا تريد ... وأنا أريد والله يفعل ما يريد ... أُصدقك القول أنني انا من إشتهى علي منذ البداية ولم يستجب لي إلا بعد محاولات عدة ... لا أستطيع وصف الشبق الذي إجتاحني منذ أول مرة رأيته فيها ... هل من المعقول أن يخلق ربك أحداً مثله؟ أليس مثله مكانه بطلاً لرويات الغرام أو يورد ذكره بالقرآن؟ هل لي أن أراهن أن يوسف لم يكن بذاك الجمال مقارنة به؟ هل لي أن أختلف مع من يقول أن الجمال والرقة والرجولة لا تجتمع في شخص واحد؟يا إلهي لابد أنك إحتسبتني مظلومة وأردت أن تثيبني على ما مررت به ... أو إحتسبتني ظالمة فأردت أن تزيد من ذنوبي ... ليس لي إلا أن أقول أنني فزت به بعد طول إنتظار ... لا أدري لماذا تذكرت كم لاحقتني قبل الزواج عندما ظفرت به بعد طول ملاحقات! عرفت النشوة معه ... لم أحب أحداً من كل الرجال الذين إنتقمت منك بهم مثلما أحببت علي ... هل عرفت الآن لماذا أصررت على تسمية إبننا الثاني علي! لا تخف هو أبنك ... على ما أعتقد

بقي شيئ واحد لم أقله لك بعد ... أعرف أنك مازلت تقرأ و أكاد أرى يديك وهما ترتجفان وأنت تفكر فيمن سوف تواجه أولاً ... أنا أم هم؟ لعله سؤال فيلسوفي مثلك ... لا أعرف إجابة له فإجابته بين أظلاعك أنت وأنا لست سوى مخلوق خُلق من ظلع أعوج

الشيئ الوحيد الذي لم أذكره لك هو أن كل أو بعض أو ولا شيئ مما ذكرته لك هنا حقيقة ... لم تفهم ... أعلم ذلك فصعب على الثور أن يستوعب بسرعة ... ما عنيته هو أنني قد أكون إستقبلت الرجال في فراشي ... أو بعضهم ... أو أكون قد لفقت تلك الحكايات من خيالي الخصب أحياناً ... هناك حل بسيط ... يمكنك أن تسأل كل الرجال الذين تعرفهم إن كانوا قد باتوا في فراشك مع زوجك من قبل ... أو أن تنفي نفسك إلى مشرق أو مغرب الأرض أيهما أقرب إلى نفسك ... ولكن
ترى هل ستظل وفياً لسعد علماً بأنه قد يكون من طوّع جسدي بيديه؟
كيف ستتعامل مع أبو سالم؟ هل أخبر أحداً في العمل بما حصل أو لم يحصل بيننا؟
وماذا عن علي شريكك! ... ترى ماذا حصل بيننا؟
وأختك! ... هل هي وفية لزوجها وسمعتها ام ماذا؟
وماذا عن هشام؟ من هو؟ هل تعرفه؟
وهل هناك غير هؤلاء الذين ذكرتهم هنا؟

وهل لي أن أضحك كما لم أضحك من قبل؟

ألم أقل لك أن إنتقامي ليس كباقي النساء
ألم أقل لك إنك سوف تندم على ما إقترفته يداك في حقي
أعلم أنك سوف تهذي كالمجنون وسوف تكلم نفسك وأنت تمشي على الشاطئ كلما ضايقك أمر كالمعتاد ... وإعلم يا عزيزي أنه من الشك ما قتل ... ولسوف يقتلك شكك ... ولربما قتلتني ... لا يهم فأنت قتلتني مرتين كما قتل الثور الأبيض ... الأولى عندما أوقفتني وقلت كلماتك الأربع ... والثانية عندما إستبدلتني بإيمان

فهنيئاً لك بما إقترفته يداك

وهنيئاً لك بحياتك من الآن وصاعداً

الثلاثاء، سبتمبر ١٢، ٢٠٠٦

أبي

عندما كنت صبياً صغيراً كنت ألعب لعبة التنس في أحد أندية الدولة. كنت كلما أشاهد والدي وهو بصحبة أحد أصدقائه كان يمسكني من يدي ويقول لصاحبه "ولدي بالديسار ... لاعب تنس في هذا النادي" لم أكن أحب تلك الحركة ... لا أدري لماذا ... لم أكن أعرف أنه كان يقولها لأنه فخور بي. لم أعرف هذا الشيئ إلا عندما أصبح لدي من أمسكه من يده وأقول لأصحابي هذا أبني. كان أبي يود أن يعلم كل من هناك حوله أن هذا أبنه وكانت تلك طريقته في إعلامي بمدي فخره بي

أتذكر أنني كنت أنام على ساقه وهي ممددة على الأرض أمام التلفاز ... عندما لم يكن لدينا أطقم الأثاث الفاخرة وكان أغلب الناس يجلسون على الأرض دون أن يعطوها مسميات خجولة مثل الجلسة الشرقية أو ما شابه. كنت أضع رأس على رجله فيضع هو يده على رأسي ويدعك فروة رأسي بأصابعه وانا أشاهد مسلسل كونغ فو لديفيد كارادين ... حتى أجد نفسي نائماً في فراشي صباح اليوم التالي. كانت تلك الحركة تشعرني بالإطمئنان ... كنت أشعر أن تلك اليد سوف تظل تحرسني إلى مالا نهاية

قبل أسابيع قليلة وبينما أنا جالس أمام التلفاز في كرسيي الوثير جاء ولدي ذو السنوات الأربع وتسلق حتى إرتمي عليّ. ثم مالبث حتى أرخي رأسه على رجلي فتذكرت نفسي وأنا في حضن أبي وتذكرت تلك الدعكة على فروة رأسي وبلاشعور مني مددت يدي على رأسه وبدأت أصابعي تداعب رأسه تماماً مثلما داعبت أصابع أبي رأسي ... سألته بعد بضع ثوان إن كان يريدني أن أتوقف ... هز رأسه بالنفي ... رأيت عيني وحياتي وأبي في عينه ... ضممته إلى صدري وكأني أحاول أن أشم والدي في ولدي ... لعنت الساعة التي قررت أن أنفي نفسي فيها بعيداً عنه فلا أستطيع أن أشمه متى ما رغبت

قررت أن أعيش أجواء رمضان معه ... فكم لدينا من الوقت معاً قبل فوات الأوان ... حجزت البطاقات لي وللأولاد فلن أعود تلك المرة بدون بالديسار الصغير ليراه ويضمه بيديه ... سوف أطلب منه أن يدعك رأسه كما دعك رأسي من قبل ... عله يفهم ما أريد حقاً ويدعك رأسي للمرة الأخيرة ... سوف أمسك ولدي من يده وأقدمه له مرة أخرى ... لأشعر أنا بالأمان ... سوف أقبل رأسه مرات ومرات حتى تبقى تلك الرائحه الزكية في روحي لسنين وقد أورثها يوماً لأبني الصغير

لم يمهلني القدر أن أقول لك احبك يا أبي للمرة الأخيرة ... لم يمهلني القدر أن أضمك للمرة الأخيرة ... لم يمهلني القدر أن تدعك رأسي للمرة الأخيرة .... لم يمهلني القدر أن أراك للمرة الأخيرة
تباً للموت الذي لا ينتظر حتى نجتمع وأضع أبني في حضنك وأقول الزمن قف هنا حتى أشبع منه

كم فراقك صعب علي
كم غزير هو دمعي عليك
كم أنت عظيم
كم أحبك يا أبي
كم أفتقدك
كم هو صعب أن أكتب تلك الكلمات
كم أنا فخور أن أسمي هو إمتداد لإسمك

كم كان سهلاً أن أقولها لك وأنا بين يديك
كم هو صعباً أن أقولها وانا لست بين يديك

كم أنت بعيد عني
كم أنت قريب مني

أوعدك أن تكون في في قلبي كل يوم
أوعدك أن أضم إبني مثلما ضممتني كل يوم
أوعدك أن أعلمه إنك أنت من دعك رأسي
أوعدك أن أعلمه أن يدعك رأس إبنه

لا أقدر على الكلام فقلبي لا يقوى ... وعيني لا تقوى

وأمي لا تقوى