الثلاثاء، سبتمبر ١٢، ٢٠٠٦

أبي

عندما كنت صبياً صغيراً كنت ألعب لعبة التنس في أحد أندية الدولة. كنت كلما أشاهد والدي وهو بصحبة أحد أصدقائه كان يمسكني من يدي ويقول لصاحبه "ولدي بالديسار ... لاعب تنس في هذا النادي" لم أكن أحب تلك الحركة ... لا أدري لماذا ... لم أكن أعرف أنه كان يقولها لأنه فخور بي. لم أعرف هذا الشيئ إلا عندما أصبح لدي من أمسكه من يده وأقول لأصحابي هذا أبني. كان أبي يود أن يعلم كل من هناك حوله أن هذا أبنه وكانت تلك طريقته في إعلامي بمدي فخره بي

أتذكر أنني كنت أنام على ساقه وهي ممددة على الأرض أمام التلفاز ... عندما لم يكن لدينا أطقم الأثاث الفاخرة وكان أغلب الناس يجلسون على الأرض دون أن يعطوها مسميات خجولة مثل الجلسة الشرقية أو ما شابه. كنت أضع رأس على رجله فيضع هو يده على رأسي ويدعك فروة رأسي بأصابعه وانا أشاهد مسلسل كونغ فو لديفيد كارادين ... حتى أجد نفسي نائماً في فراشي صباح اليوم التالي. كانت تلك الحركة تشعرني بالإطمئنان ... كنت أشعر أن تلك اليد سوف تظل تحرسني إلى مالا نهاية

قبل أسابيع قليلة وبينما أنا جالس أمام التلفاز في كرسيي الوثير جاء ولدي ذو السنوات الأربع وتسلق حتى إرتمي عليّ. ثم مالبث حتى أرخي رأسه على رجلي فتذكرت نفسي وأنا في حضن أبي وتذكرت تلك الدعكة على فروة رأسي وبلاشعور مني مددت يدي على رأسه وبدأت أصابعي تداعب رأسه تماماً مثلما داعبت أصابع أبي رأسي ... سألته بعد بضع ثوان إن كان يريدني أن أتوقف ... هز رأسه بالنفي ... رأيت عيني وحياتي وأبي في عينه ... ضممته إلى صدري وكأني أحاول أن أشم والدي في ولدي ... لعنت الساعة التي قررت أن أنفي نفسي فيها بعيداً عنه فلا أستطيع أن أشمه متى ما رغبت

قررت أن أعيش أجواء رمضان معه ... فكم لدينا من الوقت معاً قبل فوات الأوان ... حجزت البطاقات لي وللأولاد فلن أعود تلك المرة بدون بالديسار الصغير ليراه ويضمه بيديه ... سوف أطلب منه أن يدعك رأسه كما دعك رأسي من قبل ... عله يفهم ما أريد حقاً ويدعك رأسي للمرة الأخيرة ... سوف أمسك ولدي من يده وأقدمه له مرة أخرى ... لأشعر أنا بالأمان ... سوف أقبل رأسه مرات ومرات حتى تبقى تلك الرائحه الزكية في روحي لسنين وقد أورثها يوماً لأبني الصغير

لم يمهلني القدر أن أقول لك احبك يا أبي للمرة الأخيرة ... لم يمهلني القدر أن أضمك للمرة الأخيرة ... لم يمهلني القدر أن تدعك رأسي للمرة الأخيرة .... لم يمهلني القدر أن أراك للمرة الأخيرة
تباً للموت الذي لا ينتظر حتى نجتمع وأضع أبني في حضنك وأقول الزمن قف هنا حتى أشبع منه

كم فراقك صعب علي
كم غزير هو دمعي عليك
كم أنت عظيم
كم أحبك يا أبي
كم أفتقدك
كم هو صعب أن أكتب تلك الكلمات
كم أنا فخور أن أسمي هو إمتداد لإسمك

كم كان سهلاً أن أقولها لك وأنا بين يديك
كم هو صعباً أن أقولها وانا لست بين يديك

كم أنت بعيد عني
كم أنت قريب مني

أوعدك أن تكون في في قلبي كل يوم
أوعدك أن أضم إبني مثلما ضممتني كل يوم
أوعدك أن أعلمه إنك أنت من دعك رأسي
أوعدك أن أعلمه أن يدعك رأس إبنه

لا أقدر على الكلام فقلبي لا يقوى ... وعيني لا تقوى

وأمي لا تقوى

هناك ٨ تعليقات:

غير معرف يقول...

عظم الله أجرك
أعلم عزيزي أن أشد ما يؤلم هو الفرص المهدورة في حق مشاعر لن تجد من تذهب إليه بعد اليوم

عوضها بأبنك

===
طائر بلا أجنحة
(لا أستطيع المشاركة من أشتراكي)

NewMe يقول...

تلك الروح لم تتركك مودعة
هي في السماء بين السحاب محلقة
هي في نبضك وانفاسك وعطرك متشبعة
ستراها في كل مكان فهي تحف قلبك وتتبعه

ليرقد بسلام
وسيبقى ينبض في أضلعك
علم بنيك كم احبك وكم احببته
لتراه فيهم ويرونه فيك

تعازيي الحارة
لك وللوالدة
ودعواتي لكم بالصبر والسلوان

دمتم بخير

White Wings يقول...

عظم الله أجرك سيدي وألهمكم جميعاً الصبر والسلوان
المصريون الأعزاء يقولون الي خلف مماتش
والدك يبقى وتعطر ذكراه الدنيا من خلال كلماتك، بل أكثر من خلال حركاتك وتصرفاتك في الحياة التي تعكس أنت فيها بوعيك أو لا وعيك روحه وشعوره ودنياه التي تمتد معك
لا من كلمات تخفف، فاغسل روحك بالدموع واسمح لنفسك بالحزن، ثم قم من جديد وأكمل مسيرة الراحل العزيز
قلبي معك

عَذبة يقول...

دموع هناسكبت أبجدياتها
بين السطور
بالديسار
قلبي معك
ماان قرأتك حتى سبقتني اللهفه لأتصل بالوالده
رغم فارق التوقيت..
..
رحمه الله واسبغ عليك الصبر والسلوان
..
لاتبخل عليه بالدعاء
"اللهم اغفر له و ارحمه و اعفو عنه و أكرم نزله ووسع مدخله و
>>>>اغسله بالماء و الثلج و البرد و نقه من الذنوب كما ينقى الثوب
>>>>الأبيض من الدنس .. و ارحمنا إذا صرنا إلا ما صار إليه و جازه
>>>>بالحسنات إحسانا و بالسيئات عفوا و غفرانا و افتح أبواب السماء
>>>>لروحه برحمتك يا أرحم الراحمين ...
"اللهم آمين

9ahba'a يقول...

بالديسار
عظم الله اجرك
ما كتبت لمس صميم القلب اعانك الله على الفراق

كتبت شيئا عن الموضوع نفسه و انا في تفاءل بانه عند الرفيق الاعلى حيث الارحم الاحلى الاجمل

الله يحفظك و يحفظ لك من تحب

دمت بصحة

بالديسار يقول...

طائر بلا أجنحة
newme
نحّاس
ayya
white wings
عذبة
9ahba'a

الكلمات تعجز عن إيصال عبارات الشكر لكم

لقد مرت أيام عصيبة لم أكن مستعداً لها رغم علمي بقدومها لا محالة ... وفي أشد تلك الأيام صعوبة كانت كلماتكم لي بمثابة السلوى ألجأ أليها لتمدني بقوة كنت بحاجة إليها ... شكراً لكم
ولا أراكم ألله مكروهاً بعزيز

luloo يقول...

بالديسار

عظم الله أجرك

بكيت ... لأني تذكرت فاجعتي بأمي وتذكرت كلمات بدر شاكر السياب التي تقول


أمّاه ليتكِ لم تغيبي خلف َ سور ٍ من حجار
لا بابَ فيه لكيْ أدقَّ و لا نوافذ َ في الجدار
كيف انطلقتِ على طريق ٍ لا يعود السائرون
من ظلمة ٍ صفراء فيه كأنها غسق البحار
كيف َ انطلقت ِ بلا وداع ٍ فالصغار يولولون
يتراكضون َ على الطريق ِ ويفزعونَ فيرجعونْ
و يسائلونَ الليل َ عنكِ و هو لعودكِ في انتظار
هذا الغريب
هذا الغريب هو ابنكِ السهران يحرقه الحنين
أماه ليتكِ ترجعين
شبحا ً و كيف أخاف منه و ما امّحت رغم السنين
قسمات وجهك ِ من خيالي
أين أنت ِ أتسمعين
صرخات قلبي و هو يذبحه الحنين
بدر شاكر السياب


بالديسار
قلوبنا معك

بالديسار يقول...

luloo
لا أراك الله مكروهاً بعزيز
وشكراً لمشعارك النبيله
لم أقصد إثارة مشاعر حزينة مكانها في القلوب محفوظة بسلام

لم أفكر بشيئ عندما كنت أكتب ما كتبت ... كل ما في الأمر أنني كنت بحاجة لقول شيئاً عن والدي لأحد ... ولم أجد غير هذا المكان لقوله

أما عن بدر السياب فهو قريب إلى قلبي ... وما قلتيه من شعره كان له عظيم الأثر في نفسي


أحب الأبيات التالية من السياب ربما تعجبك

يا ليتني أصبحت ديواني
لأفر من صدر إلى ثاني
قد بت من حسد أقول له
يا ليت من تهواك تهواني
ألك الكؤوس ولي ثمالتها
ولك الخلود وأنني فاني؟