لا زلت أفكر في ذلك الرجل وما قد يكون قد حل به
ترى هل أكون انا السبب في تعاسته؟
أسئلة تدور في بالي كل يوم ولا أجد سبيلاً لإجابتها
.
.
أعود بذاكرتي لعصر ذلك اليوم الذي كنت أمشي فيه مع ولدي الأوسط. كان يبكي في المنزل لعدم وجود أيس كريم وأدى زعيقه المستمر بلا هوادة بزوجتي للوصول إلى مرحلة الكفر بكل ماهو مقدس. فقررت أن آخذه إلى خارج أسوار المنزل لأعطيه فرصه العمر بتفضيله على أخوته بقضاء وقت معي وحدنا وربما كانت هناك مفاجئة تنتظره وهي أختيار أي نوع من الأيس كريم بنفسه دون أي تدخلات أبوية. وفي نفس الوقت إعطاء زوجتي بعض الوقت لإلتقاط الأنفاس قبل بدء مرحلة جديدة معه ومع اخوته
.
.
أحب المشي الهادئ مع طفلي هذا بالذات كونه شقياً للغاية في المنزل فهو بالكاد يتحدث بجملتين متتاليتين دون القفز بينهما على الحائط أو احد اخوته. ولكن عندما نكون وحدنا في الشارع فهو طفل مؤدب يمسك بيدي ويتحدث بأسلوب محبب لقلبي. لا أدري إن كان من يمكنه الإعتراف بتفضيل أحد أبنائه على الآخرين. ولا أدري إن كان من العدل فعل ذلك. لكني أقر وأعترف بقربه إلى قلبي أكثر من أخوته. لقد كانت والدتي تفضل أحد أخوتي علينا رغم إنكارها الشديد لتلك الفكرة كلما واجهناها بها حتى يومنا هذا فهي متمسكة بتلك الجملة المأثورة والتي لا أصدقها بأننا جميعاً متساوون في قلبها. لكنها كانت تفعل عكس ما تدعيه. وهاأنذا أفعل تماماً ما كنت لا أحبه فيها. ثم من قال أن تفضيل أحد الأبناء بجريمة؟ ألم يفعلها يعقوب النبي مع يوسف وأخوته الأحد عشر كوكباً؟ أليس الدين يقول بعصمة الأنبياء ومع ذلك لم يعدل في حبه حتى أتاه قميصه مخضب بدم ذئب محمولاً بأيدي عشرة كواكب
.
.
عموماً لم تصل الأمور بيني وبين أخي للبئر رغم وجوده في بيتنا العتيق. ربما كان خوفي من ذلك البئر الذي كنت جازماً انه مرتع الجن وان اللعب حوله أو حتى الإقتراب منه قد يؤدي بي إلى تلبس بجن كافر يجعلني عبداً له أو يخنقني بأصابع غليظة لها رؤوس مدببة كالمسامير تقربك من وجه شيطاني له شعر من أفاعي تتدلى حول رقبته. المضحك أو المخجل أن والدي بدلاً من أن فقط يشرح لنا خطورة اللعب بجانب البئر، تمادى في تخويفنا بقصص مرعبة جعلت مني رجلاً راشداً يخاف أن ينظر في أسفل بئر ماء. بل أذهب أبعد من ذلك وأقول أني مازلت أخاف النظرفي أي حفرة كانت مخافة أن يجذبني ذلك المخلوق ذو الأصابع المدببة
.
.
إبني يجرني من أصبعي نحو محل البقالة في آخر الطريق يريد أن يأخذ مكافئته على الإلتزام بتعليماتي الصارمة التي إلتزم بها ككتاب مقدس.لا أدري إن كان إلتزامه حباً في المكافئة أم إحترام لي أم خوف من عقاب! هكذا نحن لا نعمل شيئاً فقط لنعمله فدائماً هناك مقصد لنا في آخر الطريق. ربما يكون طفلاً ولكن حتى الأطفال وإن إختلفت أهدافهم تبقى اهداف في نهاية الأمر والغاية تبرر الوسيلة كما يتقول علينا فلاسفة الأنانية البشرية. وفي النهاية لابد لي أن أنصاع لرغبته مهما كانت ... ألم أقل انه عزيزي
.
.
لا أدري ما الذي جعلني أسلك طريقاً غير طريق العودة إلى المنزل. شيئاً ما جذبني نحو أحد الأزقة التي لطالما مررت بجانبها ولم أفكر حتى في النظر إليها. كنا نمشي أنا وصغيري عندما لفت إنتباهي لشيئ مرمي على الأرض. مشينا نحوه ولفرط دهشتي وجدت لوحة زيتية تبدو عالية الدقة توحي بأن راسمها قد أفنى وقت طويل فيها ليضع كل مقاييس الجمال الحسي والذوقي التي تشدأرواح من ينظرون اليها من اللحظة الأولى. كانت اللوحة مبروزة بإطار أقل ما يمكن أن أقول عنه أنه باهض الثمن مذهب الأطراف جميل بدقة صنعه. كانت اللوحة وإطارها متناسقين بشكل يدل على أن من زاوج الأثنين يمتلك حساً رفيعاً في الحياة. اللوحة عبارة عن مجموعة من الأولاد يقفون بجانب بعضهم البعض وينظرون إلى خارج اللوحة. كان هناك ستة أولاد بعضهم يلبس ملابس بالية وآخرون يلبسون ثياب تبدو غالية الأثمان. أصدق القول أنني لا أفهم بالفن ولا بالرسم على الأخص لكنني أحسست بأن اللوحة تجذبني نحوها. أحببتها من أول نظرة هو ما يمكن أن أصف شعوري. ولا بد أن أشير إلى غبطة زوجتي عندما أدخل البيت متأبطاً تلك اللوحة الجميلة والتي لم أدفع قرشاً واحداً لأمتلكها
.
.
لا أعرف كيف وصلت لمنزلي فأبني يشدني من يدي والأخرى تحمل الغنيمة التي قد غنمناها أنا وهو للتو. لا أفكر بشيئ غير تفكيري بصورة زوجتي وهي تاخذ اللوحة من تحت أبطي وتشهق شهقتها المعتادة كلما رأت شيئاً جديداً وكانما هي لم تخرج من بيت ثري كانت لها الكلمة الأخيرة قبل الأولى إن لم تكن الأثنتين معاً وربما في آن واحد. أما أبني هو الآخر فيبدو أنه دخل على خط المفاجأة السعيدة فلم يعد يفرق بين خطواته يريد لوصول للبيت الآن قبل الآلان. شيئ واحد أعادني لوعيي هو صوت الفرملة المدوي الذي سمعته فجأة بجانب رأسي وجسدي وكلي ... وقبل ذلك ابني. كدت أموت في موقعي عندما نظرت ليميني فرأيت سيارة مسرعة بإتجاهي تحاول تفادي أن يكون ذبحي بين عجلاتها في اقل من ثانية. رأيت سنين عمري كلها تمرق من أمام عيني. وتيقنت أنني ميت لا محالة لولا أن توقفت العجلات قبل دهسي وطفلي بمسافة لا تزيد عن أصابع يد واحدة ممدودة ... نظرت للسائق وكأن لسان حالي يعتذر عن تطفلنا دون قصد ... طبعاً لم يعجب السائق إعتذاري فرأيت منه ما يثبت ذلك بالدليل القاطع إن لم نقل بالإصبع القاطع! ترى ماذا كان ظن ولدي وهو يراني أعتذر لرجل كاد أن يدهسني وإياه فقط لأعتذر له ليبادر بدهس كرامتي أمامه؟
.
.
.
لم أقدر أن أصدق فرحت زوجتي بدخولي المنزل وأنا احمل شيئاً جديداً ... هل لي أن أسأل إن كانت النساء كلها هكذا؟ لا أدرى فلم أكن يوماً بالرجل الخبير بهن ... بل أود أن أذهب أبعد من هذا بأن أقول بأنني لا زلت لا أعرف كيف تفكر بنات آوي أقصد حواء. ربما أبتعدت أكثر مما ينبغي أو تقولت بما لست بمحل تقوله ليس تطيراً بل مخافة وتلك الحقيقة ولا أكثر من ذلك
هل يمكن أن يفرح شخص بكل ما أوتي من مال بشيئ فقط لكونه من دون مقابل؟ هذا كان سؤالي لسيدة بيتي وعقلي ... لم ترد علي كعادتها عندما أتدخل في أمور ليست من صلب الرجال وكأنما الرجال خلقوا من ضلع اقل اعوجاجاً من النساء. لست أدري أينما أنا ذاهب بتلك المناظرة الغير مجدية لأحد سواي ... أنا أعوج من ضلع حواء وتلك الحقيقة. لم تصدق زوجتي قصتي حتى تدخل أبننا بناء على رغبتي بشرح ما حصل دونما أن يخطئ بالتطرق لحادثة الدهس التي لم تكن ودونما أن أطلب منه ذلك ... ألم أقل بداية أنه عزيزى وكوكبي الذي ربما سجدت له لو تطلب الأمر ذلك
.
.
قبل أن اجلس على كرسيي المثير المفضل والذي يرغب الجميع بالجلوس عليه ولا يُسمح لأحد بالجلوس عليه عداي ... كانت زوجتي قد قررت أين ستعلق اللوحة الهدية السمائية في غرفة الجلوس العائلية لتكون بمثابة المناصف لكل شيئ ... فالأولاد ينقسمون لجزئين ... هم ستة أولاد ثلاثة بملابس بالية وثلاثة ملابسهم غالية وكأنما قررت زوجتي تعليم الأبناء درساَ من درس الحياة التي لم تفتأ تعلمها للأبناء عن وجود الغنى والفقر والخير والشر والضد والمضاد ... وأصدق القول بأني لا أعرف إن كانت تراني بمضادها او إن كانت ترى انها هي الخير وأنا بعكسه ولا أقول الشر كوني لا أزكي نفسي لكني جميل الطلعة والخلق ... فكيف ومن تكون هي؟ لست بالشجاعة التي كنت عليها يوماً ما لأرد على تسائل سألته نفسي ... ما اجبنني ... عربي أنا أخشيني كما تدعي الأغنية السخيفة
.
.
لم أكد أمضي لحال سبيلي في المنزل حتى جائني ولدي الآخر وهو يمطرني بطلب واحد لكنه كعادته يطلبه مئة مرة بالدقيقة. كان يلح علي أن أذهب للطابق العلوي من المنزل لأقوم بنفخ القلعة التي كنت قد طلبتها لهم وأتت للتو قبل أن ندخل المنزل بدقائق عن طريق البريد. طلبت منه أن يطلب من والدته عمل ذلك فبين لي انها هي من أرسله نحوي قائلة أنها من أعمال الرجال المنزلية التي لا تخص النساء. لا أذكر ما تمتمت به لكني أذكر أنه لم يكن حميداً. مسك يدي وجرني من الكرسي وبدأ يقودني كما تقاد الشياة أو الأعمي لا فرق. إستغرق الامر مني قرابة الساعة قبل أن انتهي من نفخ القلعة اللعينة والتي بدت أكبر بكثير مما توقعت ولولا المنفاخ الآلي لكنت بلا بلعوم ولا رئة الآن ولا أعتقد أن أبنائي كان يهمهم أمري الآن فهم يرون شيئ واحد فقط ... القلعة المنفوخة
.
.
لا أدري لماذا أصرت زوجتي على تعليق تلك الوحة في غرفة الجلوس. لا أعرف الكثير عن علم تصفيف الأثاث الذي تعرفه هي وتعايرني به طوال الوقت بل تطلق عليه لقب الديكور الداخلي وكأنما تريد أن تجد تبرير لوضع قطع من الاثاث هنا وهناك وتستند لعلم ومعرفة لتفعل ذلك رغم أن كل ما في الأمر أن الموضوع لا يتعلق بأكثر من إطار يعلق على الحائط. ثم ما بي أريد التعليق على أتفه الأمور وكأنما حياتي وحسابي معلق بها. على أي حال أصبحت اللوحة الآن في غرفة الجلوس وأنتهى الأمر على ذلك. الأمر الوحيد الذي تغير هو طريقة تعاملها معي فكأنما أصبحت رجلاً جديراً بالحب ولو ليوم واحد وكأني رجل العصر الحجري الذي عاد لغاره بعد شقاء يوم في الصيد بغزال أو ما شابه وبدأت نساءه بالنظرإليه بإعجاب يفوق نظرات الفخر وربما يدعوه لشيئ أكثر. لم أحضى بنظرة كتلك منذ آن لذا فقد تقبلت ذلك بصدر يفوق بالرحابة
.
.
كنت أسمع صراخ الأولاد بالدور العلوي وهم يلعبون. كان صراخهم على شدة قسوته وعلوه جميل جعلني أحس بإحساس غريب بأنني قد وصلت لقمة السعادة. وكيف لا ولدي من الأبناء العديد وكلنا نعيش رغد العيش وليس هناك ما ينغص علينا عيشنا. سرحت أفكر بأمور كثيرة قبل ان يقطعها صراخ أبني الاكبر وهو يناديني وأمه بصورة أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها هيستيرية. قفزت من مكاني أركض نحو الدرج المؤدي للدور العلوي وصعدت السلمات أربع أربع حتى وصلت له. كان يصرخ ويقول بأن علينا أن نلحق أخيه. دخلت حجرة اللعب فوجدت صغيري وقد لف عمود القلعة البلاستيكي حول عنقه وخنقه. كان فمة يزبد وعينيه مبحلقة. طار صوابي ولم أعرف ماذا أفعل. بدأت بفك الرباط من حول رقبته ثم وضعت رأسي على صدره لأستمع لدقات قلب صغير لم يكن قد أكمل عامه الرابع بعد. لم يكن هناك دقات. كان الجميع حولي يصرخ بخوف. أمه تضرب على وجهها بيديها. أخته غطت وجهها بيدها وهي تصرخ بعنف. وأنا لا أعرف ماذا أفعل. حملته مسرعاً نحو السيارة وصرخت بأمه أن تأتي خلفي بسرعة. القيته في المقعد الخلفي وطلبت منها أن تجلس معه وأن تحاول عمل التنفس الصناعي. كانت تصرخ أنه لافائدة فإبننا قد مات وهي تضرب على وجهها. لا اعرف كم مضى من الوقت قبل أن كنا قد وصلنا المستشفى القريب من منزلنا
.
.
لم أعد أستوعب ما يدور حولي. ولدي ذهب بلا عودة. كيف لأحد أن يتقبل أمر كهذا؟ قال لي احدهم في المستشفى وهو يحاول مواساتي بأن ألله يعطي وألله يأخذ! من قال ذلك؟ وهل من تفوه بهراء كهذا ذهب له طفل يكاد يعبده! ثم لماذا حبيبي يُأخذ ويُبقى غيره؟ هل هذا هو العدل الذي يجب أن نعيش ونتقبله بلا مسائلة؟
.
.
قلبي يتفتت وِشعري يشيب وروحي تذوب كل ثانية لتعود مرة أخرى فتذوب ثانية
كان قلبي ينفطر عندما يبكي
والآن قلبي يتمنى أن يسمعه يبكي مرة واحد
أود لو أشمه مرة أخرى
أفكر فيه وجسده البارد
أفكر فيه وهو وحيد
أفكر فيه وهو خائف فلست أنا بجانبه أمسك يده لأطمئنه أن كل شيئ بخير
كنت وأنا طفل صغير يطلب مني أبي أن أُحضر له شيئ من الثلاجة الواقعة في المطبخ الخارجي. كنت أشعر بالخوف الشديد من الظلام فأركض بشدة نحو المطبخ وأنا أُغني بأعلى صوتي لأطمئن نفسي وأخيف من هناك ... أرواح كانت أم غيرها ... وعندما أصل لوالدي أكون منهكاَ من تعب الركض والغناء معاَ في نفس الوقت وكنت أرى في نظرته تشجيع لي ليطمئنني أنه كان هناك خلفي يحمي ظهري
ترى من لك هناك ليغني لك بصوت عالي
ترى من هناك ينتظرك ليعلمك أنك وصلت لأمان لن تخاف من بعده
أكاد أهذي من الألم
بل هو الألم الذي يهذي بلساني
هل هو ذنب إقترفته يدفع هو دينه أم كانت خطيئة كان هو كفارتها؟
مرت حياتي وحياته كشريط متقطع الأوصال. تارة أنا وتارة هو
مولده وطفولتي ... أول سن نبت في فمه وأول مرض أذكره في طفولتي ... أول مرة نطق بإسمي وأول مرة قابلت أمه ... ضحكته التي تنير الدنيا علي وسفري الدائم بعيداً عنه ... أصدقائه الصغار وصديقي حسام... أول خطوة خطاها وأول أمرأة عاشرتها ... وآخر مرة أرتشفت فنجان الشاي في فراشي ... أول مرة مشينا سوياً وطعم النبيذ الأبيض في شفيتها ... والإمرأة التي تزوجتها وتلك التي أحببتها
مولده وطفولتي ... أول سن نبت في فمه وأول مرض أذكره في طفولتي ... أول مرة نطق بإسمي وأول مرة قابلت أمه ... ضحكته التي تنير الدنيا علي وسفري الدائم بعيداً عنه ... أصدقائه الصغار وصديقي حسام... أول خطوة خطاها وأول أمرأة عاشرتها ... وآخر مرة أرتشفت فنجان الشاي في فراشي ... أول مرة مشينا سوياً وطعم النبيذ الأبيض في شفيتها ... والإمرأة التي تزوجتها وتلك التي أحببتها
ترى من أنت أيها الرجل الغريب؟
لماذا لم تقف عندما ناديت خلفك وكأنما أسرعت الخطى لتهرب مني
.
.
عدت وزجتي للمنزل فإستقبلنا باقي الأبناء بوجوم وكانما قرأوا ما حدث على وجوهنا فإندفع الجميع نحونا ولملم الجميع بعضه وبكينا ككتله واحدة أصابها مقتل. كان الجميع بلا إستثناء يبكي بحرقة. أخذت أقبل رأس أبنائي واحد واحد وهم يبكون أخاهم. لا أعرف كيف شعور فقد الأخ لكني بت اعرف أن فقد الأبن عظيم. لا أعرف إن كنت أواسيهم أو كانوا هم من يواسيني فقد كان الجميع منهاراَ بدون إستثناء فكيف لا وفجأة وبدون إستئذان يدخل الموت بيننا فيختار أحدنا ثم يمضي دون أن يمهلنا أن نقول لمن نحب كم نحبهم؟ هل هذا هو العدل؟ ومن هو الموت الذي يفعل مايريد .. الموت كلمة فقط أم معنى؟ هل لي الشجاعة أن اطلب منازلته؟ وإذا فزت ماذا عساي أطلب منه؟ وإذا خسرت هل أنا مستعد لدفع الثمن
.
.
عندما دخلت المنزل لأول مرة بعد الأحداث. كنت متعباَ لا أقوى على الوقوف على قدماي ولم أعد أقدر أن أتحدث لأحد فقررت الصعود لمخدعي لأرتاح قليلاَ ... أو هذا ما أوهمت نفسي عمله. ما أن صعدت درجات السلم حتى سمعت صرخة مدوية من زوجتي. كانت صرخة كفيلة بتجميد الدم في عروقي. ولم أكن في حال يستحمل سماع صوت أحد. ركضت نازلاَ السلم وبينما أنا أفعل ذلك سمعت دوي جسد يرتطم بالأرض. كان مصدر الصوت هو مصدر الصرخة ذاتها فقد كانت زوجتي فاقدة الوعي عندما وصلت إليها. صرخت بإبنتي الكبرى بأن تحضر بعض الماء البارد الذي رششته على وجهها. لم تلبث أن أفاقت من إغمائتها. لممتها إلى صدري وهمست بإذنها أن تكف أن تحميل نفسها أكثر من وسعها وأن تشد من أزرها أمام الأبناء فهم في حالة يرثى لها وهم بحاجة لأم وأب أقوياء. لا أدري إن كنت حقيقة أقول هذا الكلام لها أم كنت فقط أُسمعه لنفسي لأقوي عزيمتي. لم ترد علي ... أبعدتها عن صدري ونظرت في عينيها. كانتا شاخصتين بعيداً عني وكأنما كانت غائبة الوعي بأعين مفتوحة. هززتها بعنف وأنا أناديها بإسمها لم ترد أيضاً. صرخت بها بأن ما بك؟ وببطئ شديد رفعت يدها اليمنى وهي تمد أصعبها ناحية الحائط. نظرت إلى الحائط وإذا بزوجتي تشير إلى اللوحة. كانت تتمتم بأشياء غير مفهومة وشفتاها ترجف وعينيها تدمعان
نظرت إلى اللوحة ولم أرى شيئاً فيها. صرخت بها أن تكف أن هرائها فليست هي الوحيدة من سرقت سعادته وحياته اليوم . لم ترد علي بل إستمرت بالإشارة إلى نفس المكان وهي شاخصة. سايرتها عيني حتى وقعت على اللوحة مرة اخرى. لم أصدق ما رأيت. كان هناك سبعة اولاد لا ستة. تركت رأسها على الأرض دون أن اعيي كيفما تركته حتى أنني لم ألحظ إرتطام رأسها. قمت من مكاني حتى أصبحت مقابل اللوحة أحاول أن ألحظ كيف أصبح هناك سبعة. لدهشتي ولأسوأ ما جاء بفكري كان هناك بالفعل ولد جديد ولم يكن غير حشاشة فؤادي. كان وجهه ينظر إلي بعينين تشعان بالخوف والحزن. كان بنظرته يتوسل إلي أن أخرجه من هذا المكان. ولدي أصبح داخل تلك اللوحة الملعونة دون أن أقدر على فعل شيئ. الآن فقط عرفت لماذا كان هؤلاء الأولاد لهم تلك النظرة المليئة بالخوف والرجاء من الخلاص. لقد أسقط في يدي فليس هناك من شيئ أفعله. لم أحس إلا ودموعي تنهمر بغزارة على خدي. جثوت على ركبتي وأنا اصرخ بأعلى صوتي بإسم إبني اللذي ذهب ضحية لعنة جلبتها بيدي لبيتي وكأني أسئل السماء أن تنقذني من هلاك أوقعته على نفسي بنفسي. كان هو داخل الصورة بنفس ملابسه التي مات فيها. يا إلهي لماذا تعاقب الضعفاء بجريرة آبائهم؟ لماذا لم تاخذني أو ... لم أريد أن أكمل الفكرة لأن أولادي جميعهم من صلبي ووجب علي حبهم بنفس القلب
.
.
لم اشعر بنفسي إلا وأنا أنزل اللوحة من على الحائط وأتجه نحو الشباك ولم تكن إلا ثوان حتى سمعت صوت إرتطامها على الأرض في الخارج. إتجهت نحو زوجتي وكان بقية أطفالي قد تجمعوا حول أمهم فجلست على الأرض بجانب رأسها وكانت قد ذهبت في غيبوبة جديدة. قبلت رأسها وأخذت أقبل وأواسي الأطفال. كانوا يرتجفون بقوة فلقد رؤوا بأعينهم أخاهم وهو يظهر لهم من داخل اللوحة فليس هناك ريب فيما شاهدوه لكنه الخوف من المسكون والخوف من الملعون هو اللذي يخيم على قلوبهم الآن. كنت أواسيهم ولا أعرف كيف أفسر ما حدث. فكيف لي أن أفعل ذلك وأنا خائف وأرتجف مثلهم تماماً
.
.
لا أدري كم من الوقت مضى ونحن على الأرض عندما سمعت همهمات وضحكات تأتي من الخارج. كانت تأتي من مقابل الشرفة تماماً. قمت من مكاني وتوجهت لأنظر فيمن يكون هذا. لم يكن سوى رجل وولده الصغير. لم يكن هناك شيئ غير طبيعي سوى أنهم كانوا يقلبون فرحين تلك اللوحة اللعينة وكان يبدو على الرجل نفس علامات السعادة التي كانت علي عندما وجدتها. بل خيل لي أن ما يحدث أمامي هو فقط شريط سينمائي عشته بالسابق. طار عقلي من مكانه. أيكون عندما وجدتها كان يعلم من رماها بماهيتها؟ لم أكن أريد معرفة الإجابة الآن بل يجب أن أحذر هذا الرجل قبل فوات الأوان. ناديت عليه من الشرفة وكان قد بدأ يبتعد وأبنه يحملون غنيمتهما بسرور واضح. لم يرد على ندائي فقررت أن أنزل لألحق به. كنت قد وصلت لباب المنزل قبل أن أسمع زوجتي تناديني بصوت خافت أن إبقى بجانبي. لم أعرف أي جهة أذهب. هل أحذر الرجل الغريب أم أبقى بجانب من فقدت ولدها؟ لم يكن الخيار سهلاً لكنني في النهاية قررت الذهاب خلف الرجل الذي كان قد توارى عن أنظاري وذهب بحال سبيله ولم أعرف أي طريق سلك ... وأختفى
.
.
ترى ماذا حل ببيتك أيها الغريب؟
مازلت أرى صورتك وإبنك كل ليلة في منامي
أحلم بأنك تشكيني للرب يوم نبعث وتقول هذا هو من قتل إبني
.
وأقسم لك أمامه أنني حاولت ولم أفلح
.
بل أنا من يجب أن أشكي أحداً للرب
.
ولولا مخافة لشكوته هو
.
.
هل لك أن تسامحني؟
.
.
.
.
.
.
.
.
إستسغت عدم وضع مجال للتعليقات فقررت الإبقاء عليه هذه المرة أيضاً
فكما قلت في السابق غاية رجائي أن يستمتع ولو القليل منكم بما سطرت
عموماً لمن يريدالتواصل يمكنكم مراسلتي على الإيميل
baldesar@gmail.com
بالديسار