1
ما الذي يحدث هنا
كل ما أعرفه أنهم أخذوني من منزلي من بين أهلي هذا الصباح وأحضروني هنا. لم يسمحوا لي بتوديع والدتي ... زوجتي ... أبنائي
ماذا يريدون مني فلم أفعل شيئاً لأحد فأنا مسالم بطبعي، بل أنا جبان بطبعي ودائما تجدني أمشي بجانب الحائط
ليست هذه بالمرة الأولى التي يأخذون فيها أحدنا. لكنها بالتأكيد المرة الأولي التي أكون فيها أنا السجين ... بل الأسير. ترى هل سيسمحون لي برؤية أحد. أتمنى ذلك فلا أريد أن أكون وحيداً هنا. المكان بارد ولا يوجد شيئ لتدفئته. الهواء راكد وغير نقي بل غير صحي. الأوساخ في كل مكان على الأرض والحائط. يا إلهي هل تلك بقايا جسد ... بل فضلات جسد ... ترى متى آخر مرة كانت عندما نُظف هذا المكان؟ يجب أن أتولى ذلك بنفسي ... ترى هل أطلب من أحد أن يمدني بيد العون لننظف المكان ... حقاً أنني مجنون فكيف أفكر بتنظيف الزنزانة بدلاً من أن أفكر بالهروب من هنا ... أو على الأقل معرفة ماذا أفعل هنا على أقل تقدير
2
مضت ساعتان ولم يحضر أحد لينظر حتى بوجهي ... على الرغم من أنني أحس بأنني مراقب طوال الوقت. لماذا أنا هنا؟ أسئلة تكاد تهلكني وأنا لا أملك إلا التفكير بها. الجوع بدا يشق طريقه لجسدي النحيل أصلاً. ترى بماذا يفكر أبنائي الآن؟ هل كانت هي المرة الأخيرة تلك التي سمعت بها عراكهم هذا الصباح. ما أحلى صوت العراك عندما يكون من أبنائي. أعلم أن هذا لم يكن رأيي هذا الصباح لكني أعترف بتغييره الآن وإلى الأبد. وأمهم الحنون ... آه يازوجتي العزيزة كم أحبك يا قمري وأوعدك أنني سوف أعود لكي قبل أن تفتقدينني. أحس أنني سأعود لأحضانك قريباً جداً. المشكلة الوحيدة في الأمر هي أنني أحس أن ما أقوله الآن هو لأُطمئن نفسي فقط لا أكثر
3
أسمع أصوات تأتي من بعيد. ربما أحضروا بعض الطعام. أرجو ذلك فقد مرت على الأقل عشر ساعات وأنا هنا محبوس وحدي أمشي من زاوية لأخرى ومن حائط لحائط. الآن عرفت إحساس السجين الذي لطالما سمعت عنه. الوحدة القاتلة. هذا كثير علي
وفجأة تفتح الأبواب ويُرمى جسد بجانبي على الأرض. لم يتحرك. هل تراه ميتاً أم عُذب لدرجة أنه لم يعد يستطيع الحراك. أهذا مصيري أيضاً؟ دنوت منه ببطئ ... لمسته ... تحرك جسدة بعيداً عني ... كانت ردة فعل فما زال رابضاً في مكانه لا يتحرك. أحس بتلك النظرات من خارج أسوار الزنزانة تراقب ما يحدث بالداخل وكأنما يريدون معرفة ما إذا كان السجين الجديد سوف يعيش أم لا. وفجأة دبت فيه الروح. تحرك. نظر إلي. إقترب مني. حام حولي. تسمرت مكاني ساكتاً فلم أعرف ماذا أقول له. يبدو وجهه كالعفريت. له تقاسيم شيطانية بل أقسم أنه شيطان. هل أقول له مرحباً بك في بيتك الثاني؟ من المجنون الذي أمر بوضع هذا المعتوه هنا معي في نفس المكان؟ أقسم للجميع أنني لم أفعل شيئاً فأنا شخص مسالم. كل ما أريده هو أن اعيش وأموت بين أهلي، هل هذا بالطلب المستحيل؟ أم أصبح العيش للعصابات والقوي يفتك بالضعيف والكبير يأكل الصغير ولعمري شكل هذا الوحش يوحي بأنه سوف يأكلني لامحالة
منذ متى أنت هنا يا هذا ... قطع علي شتات فكري بسؤاله
منذ الصباح الباكر. تخيل لم يعطوني فرصة لأودع أهلي. بل أخذوني عنوة. إقتحموا مسكني دون إستئذان و وو
هل طلبت منك أن تروي لي قصة حياتك؟ لا أعتقد ذلك أنا جائع ومنهك وأريد النوم
وانا أيضاً لكني أريد أن أعرف متى سيطلقون سراحي
نظر إلي وضحك وهو يقول ... أنت أغبى مما يوحي شكلك به. لن تخرج من هنا إلا وأنت ميت أو إلى سجن آخر
كان وقع كلامه علي وقع العاصفة التي تدوي فجأة وسط سكون الليل فتدمر كل شيئ في طريقها ... ماذا تقصد بكلامك ... سألته
ما أقصده أنك هنا للأبد يا غبي
مشيت للطرف الآخر من الزنزانة وأنا أفكر في كلامه. هل يمكن أن يكون ما يقوله صحيح أم أنه يريد ترويعي فقط لا أكثر. إن كان ذلك قصده فقد أحسن العمل فأنا أحس بخوف شديد مما هو آت
نظرت ناحيته وإذا به ينظر إلي نظرة غريبة. ثم إنطلق نحوي بسرعة. بدأت أعدو في دوائر حول الزنزانة وهو يجري خلفي. لا أدري لماذا يهاجمني ولا أدري لماذا أركض. أسمع ضحكات تأتي من الخارج. يبدو أن أحدهم يستمتع بما أنا فيه الآن من عذاب وهذه قمة السادية على ما أعتقد أن هذا أسمها. قررت بيني وبين نفسي أن أقوم بمهاجمته بدلاً من العيش بخوف للأبد. وقفت وإلتفت ناحيته وصرخت صرخة كبيرة ثم بدأت أركض ناحيته. يبدو أن شجاعتي المفاجأة كان لها أثرها فقد بدأ هو يعدو في حلقات وأنا خلفه. لا أدري لما أجري خلفه أو ماذا سأفعل لو أنني أمسكت به. بدأت أسمع الضحكات بالخارج تتزايد. لا أقدر أن أستمر خلفه فهو ذو طاقة عالية. بدأ يضحك بشدة ثم توقف قائلا ... أرجوك أنا أستسلم ... قالها وكأنما ما حدث للتو لم يكن أكثر من مزحة للترفيه عن نفسه. اليوم كله بحذافيره غريب. بل غريب جداً
4
وقفنا كل في زاية من المكان. بدأت أحس بتلك النظرات بالخارج تقترب من الباب. يفتح الباب وتُرمي بعض الفتات من الطعام ويغلق الباب بسرعة. نظرت للطعام ثم إلتفت ناحية الشيطان فتلاقت نظراتنا وبدون أي كلمة هجمت على الطعام. كانت ردة فعلي متأخرة جداً فقد إستحوذ على جميعه وبدأ يأكل بشراهة غريبة
هل لي ببعض منه أسُد به رمقي فلم آكل شيئاً منذ الصباح ... قلت له
لم يرد علي بل إستمر بالأكل وكأنما لم يسمع ما قلته له. ألا يشم رائحة الطعام النتئة. كيف يمكن أكله؟ أكاد أتقيأ من رائحته. أقول قولي هذا وأنا على أتم الإستعداد لمشاركته فيه إن سمح لي ... لكنه لم يفعل
جلست في الزاوية أفكر فيما يحدث. يبدوا أنني منهكاً جداً فلا أستطيع أن أبقي عيني مفتوحة أكثر من ذلك. أغمضت عيني قليلاً عل النوم ينسيني جوعي وقلقي. بل ربما فتحت عيني فوجدت نفسي بين زوجي وعيالي فأحكي لهم حلمي المزعج هذا
5
فتحت عيني. تلفت حولي. لا أري أحداً بجانبي. أين ذهب يا ترى؟ في الزاوية الأخرى من الزنزانة كان جسده مستلقياً لا يتحرك. بطنه منفوخ. يا إلهي لقد مات. يبدو أن الطعام كان فاسداً. هل أحاول أن أسعفه أم أحمد ربي أنه كان أنانياً ولم يدعني أشاركه الطعام. وقبل أن أتحرك نحوه ... فتح الباب ... مُدت يد إلى داخل الزنزانة ... إلتقطت جسد السمكة الميتة لخارج الحوض وأقفلت الباب خلفها لأبقى وحيداً في الحوض الصغير ... زنزانتي ... مرة ثانية